للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحرام، ويترك الحلال وهو عنده، ويتعدّى بأكل هذا الحرام. هذا التعدّي، يُنكِر أن يكونا مُخْتَلِفَيْن، ويقول: هذا وهذا واحدٌ (١) [٦٠٥]. (ز)


[٦٠٥] اخْتُلِف في تفسير قوله: {غير باغ ولا عاد}؛ فقال قوم: {غير باغ} غير خارج على الأمة بسيفه. وقال آخرون: بل تأويل ذلك: فمن اضطر غير باغ في أكله شهوة، ولا عادٍ فوق ما لا بُدَّ له منه. وقال غيرهم: غير باغٍ الحرام في أكله، ولا مُعْتَدٍ الذي أبيح له منه.
ورَجَّح ابنُ جرير (٣/ ٦٢ - ٦٣ بتصرف) القولَ الأخير الذي قال به قتادة، والحسن، وعكرمة، ومجاهد من طريق جابر، والربيع، وابن زيد.
وانتَقَدَ القولَ الأوَّلَ الذي قاله مجاهد، وسعيد، مُسْتَنِدًا إلى الدلالات العقلية، فقال: «وذلك أنّ الله لم يُرَخِّص لأحد في قتل نفسه بحال، فالواجب على قُطّاع الطريق التَّوْبَةُ من معاصي الله، لا قتل أنفسهما بالمجاعة، فيزدادان إلى إثمهما إثمًا».
وبيَّن ابنُ جرير (٣/ ٦٢) أنّ تفسير السدي -وهو القول الثاني- لقوله: {غير باغ} مُوافِقٌ لِما رَجَّح، وأمّا تفسيره {عاد} بالشَّبَع فقد بيّن أنه بعض معاني الاعتداء، ثم قال: «ولم يُخَصِّص اللهُ من معاني الاعتداء في أكله معنًى؛ فيُقال: عنى به بعض معانيه. فإذا كان ذلك كذلك فالصواب من القول ما قلنا مِن أنّه الاعتداء في كل معانيه المحرمة».
ورَجَّح ابنُ تيمية (١/ ٤٠٤ - ٤٠٥) أيضًا القول الأخير، مُسْتَنِدًا إلى أحوال النُّزول، والدلالات العقلية، فقال: «لأنّ الله أنزل هذا في السور المكيّة -الأنعام، والنحل-، وفي المدنية؛ لِيُبَيِّن ما يَحِلُّ وما يَحْرُم من الأكل، والضرورة لا تختصّ بسفر، ولو كانت في سفر فليس السفر المحرّم مُخْتَصًّا بقطع الطريق والخروج على الإمام، ولم يكن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - إمامٌ يُخْرَج عليه، ولا من شرط الخارج أن يكون مسافرًا، والبُغاة الذين أمر الله بقتالهم في القرآن لا يشترط فيهم أن يكونوا مسافرين، ولا كان الذين نزلت الآية فيهم أولًا مسافرين؛ بل كانوا من أهل العوالي مقيمين، واقتتلوا بالنِّعال والجريد، فكيف يجوز أن تُفَسَّر الآيةُ بما لا يَخْتَصَّ بالسفر، وليس فيها كلُّ سَفَرٍ محرم؟! فالمذكور في الآية لو كان كما قيل لم يكن مُطابِقًا للسفر المحرم، فإنه قد يكون بلا سفر، وقد يكون السفر المحرم بدونه. وأيضًا فقوله: {غير باغ} حال من {اضطر}، فيجب أن يكون حال اضطراره وأكله الذي يأكل فيه غير باغ ولا عاد، فإنه قال: {فلا إثم عليه}، ومعلوم أنّ الإثم إنما يُنفى عن الأكل الذي هو الفعل، لا عن نفس الحاجة إليه؛ فمعنى الآية: فمن اضْطُرَّ فأكلَ غير باغ ولا عاد. وهذا يُبَيِّن أنّ المقصود أنّه لا يبغي في أكله، ولا يتَعَدّى».

<<  <  ج: ص:  >  >>