للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هذا مكاننا حتى يأتيَنا ربُّنا، فإذا أتانا ربُّنا عَرفناه. فيأتيهم الله في الصورة التي يَعرفون، فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: أنت ربُّنا. فيَتبعونه، ويُضرب جسر جهنم». قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فأكون أول مَن يُجيز، ودعاء الرُّسُل يومئذ: اللهم، سَلِّم سَلِّم. وفيه كلاليب مثل شَوك السَّعْدان، غير أنه لا يَعلم قدْر عِظَمها إلا الله، فتَخطف الناس بأعمالهم، منهم المُوبَق بعمله، ومنهم المُخَردَل ثم ينجو، حتى إذا فَرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يُخرِج من النار مَن أراد أن يُخرِجه ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمَر الملائكة أن يُخرجوهم، فيَعرفونهم بآثار السّجود، وحَرّم الله على النار أن تَأكل من ابن آدم أثَر السّجود، فيُخرجونهم قد امتُحِشُوا (١)، فيُصبّ عليهم ماء يقال له: ماء الحياة، فيَنبُتُون نبات الحبّة في حَمِيل السّيْل (٢)، ويبقى رجل مُقبِل بوجهه على النار، فيقول: يا ربّ، قد قَشَبني ريحها (٣)، وأَحرَقني ذَكاؤها (٤)، فاصرف وجهي عن النار. فلا يَزال يدعو الله، فيقول: لَعَلّي إنْ أعطيتُك ذلك تسألني غيره. فيقول: لا وعزّتك، لا أسألك غيره. فيَصرف وجهه عن النار، ثم يقول بعد ذلك: يا ربّ، قَرِّبني إلى باب الجنة. فيقول: أليس قد زعمتَ أنك لا تسألني غيره؟ ويلك، يا ابن آدم، ما أغدرك! فلا يَزال يدعو، فيقول: لَعَلّي إنْ أعطيتُك ذلك تسألني غيره. فيقول: لا وعزّتك، لا أسألك غيره. فيُعطي الله مِن عهود ومواثيق ألا يَسأله غيره، فيُقرِّبه إلى باب الجنة، فإذا رأى ما فيها سكَتَ ما شاء الله أن يسكت، فيقول: ربِّ، أدخِلني الجنة. فيقول: أليس قد زعمتَ ألا تسألني غيره؟ ويلك، يا ابن آدم، ما أغدرك! فيقول: ربّ، لا تَجعلني أشقى خَلْقك. فلا يزال يدعو حتى يَضحك الله - عز وجل -، فإذا ضحك منه أذِن له بالدخول فيها، فإذا دَخل فيها قيل له: تَمَنَّ مِن كذا. فيتَمنّى، ثم يقال له: تمَنَّ مِن كذا. فيتَمنّى، حتى تَنقطع به الأماني، فيقول: هذا لك ومثله معه». قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولًا الجنة. قال (٥): وأبو سعيد الخُدري جالس مع أبي هريرة لا يُغيّر عليه شيئًا من حديثه حتى انتهى إلى قوله: «هذا لك


(١) امتُحِشُوا: احترقوا، والمحش: احتراق الجلد وظهور العظم. النهاية (محش).
(٢) الحِبة بالكسر: بذور البقول وحب الرِّياحين، وقيل: هو نبت ينبت في الحشيش. وحَميل السّيْل: هو ما يجيء به السّيْل من طين أو غثاء وغيره، فإذا اتفقت فيه حبة واستقرت على شط مجرى السّيّل فإنها تنبت في يوم وليلة. النهاية ١/ ٣٢٦، ٤٤٢.
(٣) قشبني ريحه: آذاني، كقشَّبني تقشيبًا، كأنه قال: سمني ريحه. التاج (قشب).
(٤) الذَّكاء: شدة وهج النار. اللسان (ذكو).
(٥) القائل هو عطاء بن يزيد الليثي، الراوي عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>