لكن هذا لا يعني عدم الاستفادة من تلك الروايات التي يحكم عليها بالضعف من هذه الجهة، بل قد يستفاد منها في التفسير، ويكون ذلك حسب المثال المطروح.
ولو خالف سبب النزول الصريح المروي عن التابعين أو أتباعهم ما روي عن الصحابة، فإن قول الصحابة هو المقدم، كما هو الظاهر.
والأصل أن يقدم كل ما يتعلق بأسباب النزول الصريحة من رواية الصحابي على ما يحكيه غيره؛ لأن الصحابي ممن شهد النزول، أو يكون أخذه عمن شهده من الصحابة.
وقد أعمل الطبري هذه القاعدة في صيغة سبب النزول غير الصريحة، فضلًا عن الصريحة فقد ذكر في قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الأحقاف: ١٠]، فقد ورد أن هذه الآية نزلت في عبد اللَّه بن سلام (ت: ٤٣ هـ) الحبر اليهودي الذي أسلم، وأنه هو الشاهد المراد في الآية، ورد هذا عنه، وعن سعد بن أبي وقاص (ت: ٥٥ هـ)، وعن ابن عباس (ت: ٦٨ هـ)، وجمع من التابعين.
وقد ورد عن مسروق (ت: ٦٢ هـ) والشعبي (ت: ١٠٤ هـ) أن المراد بالشاهد موسى، واحتجا بكون السورة مكية، وخبر عبد اللَّه بن سلام كان في المدينة، وهذا وجه من الترجيح حسن متين، غير أن ما ورد عن الصحابة يجعل القول الأول هو المعتبر.
قال الطبري (ت: ٣١٠ هـ): "والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل؛ لأن قوله:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} في سياق توبيخ اللَّه تعالى ذكره مشركي قريش واحتجاجًا عليهم لنبيِّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذه الآية نظيرة سائر الآيات قبلها، ولم يجر لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذكر فتوجه هذه الآية إلى أنها فيهم نزلت، ولا دلَّ على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدم الخبر عنهم معنى.
غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن ذلك عني به عبد اللَّه بن سلام، وعليه أكثر أهل التأويل، وهم كانوا أعلم بمعاني القرآن، والسبب الذي فيه نزل، وما أريد به.
فتأويل الكلام -إذ كان ذلك كذلك-: وشهد عبد اللَّه بن سلام -وهو الشاهد من بني إسرائيل- على مثله؛ يعني: على مثل القرآن -وهو التوراة- وذلك شهادته أن