للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِأَصْحابِ الفِيلِ} يعني: أبْرَهَة بن الأشرم اليماني وأصحابه، وذلك أنه كان بعث أبا يكسوم بن أبْرَهَة اليماني الحبشي -وهو ابنه- في جيش كثيف إلى مكة، ومعهم الفيل ليُخرِّب البيت الحرام، ويجعل الفيل مكان البيت بمكة، ليُعظّم ويُعبد كتعظيم الكعبة، وأمره أن يقتل مَن حال بينه وبين ذلك، فسار أبو يكسوم بمن معه حتى نزل بالمُغمِّس، وهو وادٍ دون الحَرم بشيء يسير، فلما أرادوا أن يسوقوا الفيل إلى مكة لم يدخل الفيل الحرم، وبَرك، فأمر أبو يكسوم أن يسقوه الخمر، فسَقوه الخمر ويردّونه في سياقه، فلما أرادوا أن يسوقوه بَرك الثانية، ولم يقم، وكلما خلّوا سبيله ولّى راجعًا إلى الوجه الذي جاء منه يهرول، ففزعوا مِن ذلك، وانصرفوا عامهم ذلك، فلما أن كان بعده بسنة أو بسنتين خرج قوم من قريش في تجارة إلى أرض النجاشي، حتى دنوا من ساحل البحر في سند (١) حِقْف (٢) من أحقافها ببِيعة النصارى، وتُسمّيها: قريش الهيكل، ويُسمّيها النجاشي وأهله أرضه: ماء سرجسان، فنزل القوم في سندها، فجمعوا حطبًا، فأوقدوا نارًا، وشووا لحمًا، فلما أرادوا أن يرتحلوا تركوا النار، كما هي في يوم عاصف، [فعجت] الريح، واضطرم الهيكل نارًا، فانطلق الصّريخ إلى النجاشي، وجاءه الخبر، فأسف عند ذلك غضبًا للبيعة، وسمعتْ بذلك ملوك العرب الذين هم بحضرته، فأتَوا النّجاشي منهم حجر بن شرحبيل، وأبو يكسوم الكنديان، وأَبْرَهَة بن الصباح الكنديّ، فقالوا: أيها الملك، لا تُكاد ولا تُغلب، نحن مؤازرون لك على كعبة قريش التي بمكة، فإنها فخرهم ومعتزّهم على مَن بحضرتهم من العرب، فننسف بناءها، ونبيح دماءها، وننتهب أموالها، وتمنح حفائرها مَن شئتَ من سوامك، ونحن لك على ذلك مؤازرون، فاعزم إذا شئتَ أو أحببتَ، أيها الملك. فأرسَل الملك الأسود بن مقصود، فأمر عند ذلك بجنوده من مزارعي الأرض، فأخرج كتائبه جماهير، معهم الفيل، واسمه: محمود، فسار بهم وبمن معه مِن ملوك العرب تلقاء مكة في جحافل تضيق عليهم الطرق، فلما ساروا مَرّوا بخيل لعبد المطلب -جد النبي - صلى الله عليه وسلم -- مسَوّمة وإبل، فاستاقها، فركب الراعي فرسًا له أعوجيًّا كان يعدّه لعبد المُطَّلِب، فأمعن في السير حتى دخل مكة، فصعد إلى الصّفا، فرقى عليه، ثم نادى بصوت رفيع: يا صباحاه،


(١) السند: ما ارتفع من الأرض في قُبُل الجبل أو الوادي. اللسان (سند).
(٢) الحِقْف: هو ما اعوج من الرمل واستطال، ويجمع على أحقاف. النهاية (جقف).

<<  <  ج: ص:  >  >>