أنّ أبْرَهَة الأشرم الحبشي كان ملِك اليمن، وأنّ ابن ابنته أكسوم بن الصباح الحميري خرج حاجًّا، فلما انصرف من مكة نزل في كنيسة بنجران، فغدا عليها ناس من أهل مكة، فأخذوا ما فيها من الحلي، وأخذوا متاع أكسوم، فانصرف إلى جدّه مُغضبًا، فبعث رجلًا مِن أصحابه -يُقال له: شهر بن معقود- على عشرين ألفًا من خولان والأشعريين، فساروا حتى نزلوا بأرض خثعم، فتنحّتْ خثعم عن طريقهم، فلما دنا مِن الطائف خرج إليه ناس من بني خثعم، ونصر، وثقيف، فقالوا: ما حاجتك إلى طائفنا، وإنما هي قرية صغيرة؟! ولكنا ندلّك على بيت بمكة يُعبد، وحِرْز من لجأ إليه، مَن مَلكه تمّ له مُلك العرب، فعليك به، ودَعْنا منك. فأتاه، حتى إذا بلغ المُغَمِّس وجد إبلًا لعبد المُطَّلِب مائة ناقة مُقلّدة، فأنهبها بين أصحابه، فلما بلغ ذلك عبد المُطَّلِب جاءه، وكان جميلًا، وكان له صديق من أهل اليمن يقال له: ذو عمرو، فسأله أن يَرُدّ عليه إبله، فقال: إني لا أطيق ذلك، ولكن إن شئتَ أدخلتُك على الملِك. فقال عبد المُطَّلِب: فافعل. فأدخَله عليه، فقال له: إنّ لي إليك حاجة. قال: قضيتُ كلّ حاجة تطلبها. قال: أنا في بلد حرام، وفي سبيل بين أرض العرب وأرض العجم، وكانت مائة ناقة لي مُقلّدة ترعى بهذا الوادي بين مكة وتِهامة عليها نمير أهلها، ونخرج إلى تجارتنا، ونتحمل من عدوّنا، عدا عليها جيشُك فأخذوها، وليس مثلك يظلم مَن جاوره. فالتفتَ إلى ذي عمرو، ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى عجبًا، فقال: لو سألني كلّ شيء أُحرزه أعطيته إياه، أمّا إبلك فقد رددنا إليك ومثلها معها، فما يمنعك أن تكلّمني في بيتكم هذا وبلدكم هذ؟ فقال له عبد المُطَّلِب: أمّا بيتنا هذا وبلدنا هذا فإنّ لهما ربًّا، إن شاء أن يمنعهما منعهما، ولكني إنما أُكلّمك في مالي. فأمر عند ذلك بالرحيل، وقال: لتُهدمنّ الكعبة، ولتُنهبنّ مكة. فانصرف عبد المُطَّلِب وهو يقول:
لا هُمّ إنّ المرء يمـ ... ـــنع رحْله فامنع حِلالك
لا يغلبنّ صليبُهم ... ومِحالهم عدْوًا مِحالك
فإذا فعلتَ فربما تحمِى ... فأمرٌ ما بدا لك
فإذا فعلتَ فإنه أمر ... تُتمُ به فعالك
وغدوا غدًا بجموعهم ... والفيل كي يَسبُوا عِيالك
فإذا تركتَهم وكعـ ... ــــــبتنا فواحُزنًا هنالك
فلما توجه شهرٌ وأصحابه بالفيل، وقد أجمعوا ما أجمعوا، طفق كلما وجّهوه أناخ