ثم اختلفوا في صفة التمتع، فقال بعضهم: هو الإحرام بعمرة في أشهر الحج، ثم التمتع بالحل، ثم الإحرام بالحج في نفس العام، وهو قول ابن عمر، وابن عباس، ومجاهد، وعطاء، وسعيد بن المسيب، وابن أبي ليلى. وقال آخرون: التمتع بفسخ الحج بعمرة، وهو قول السدي. والقائلون بأنّ التمتع للمُحْصَرِين دون سواهم اختلفوا في صفة التمتع، فذكر ابنُ الزبير أنّ التمتع أن يُحْصَر الرجلُ حتى يفوته الحج، ثم يصل إلى البيت فيحل بعمرة، ويقضي الحج من قابل، فهذا قد تمتع بما بين العمرة إلى حج القضاء. وذكر الآخرون أنه يحل عند إحصاره دون عمرة، ويؤخرها حتى يأتي من قابل، فيعتمر في أشهر الحج ويحج من عامه، وهو قول علقمة، وإبراهيم، وقتادة، وعلي. وقد رَجَّح ابنُ جرير (٣/ ٤١٨ - ٤١٩) مستندًا إلى ظاهر القرآن قولَ ابن الزبير، وقولَ ابن عباس من طريق عطاء، فقال: «وأَوْلى هذه الأقوال بتأويل الآية قولُ مَن قال: عنى بها: فإن أُحْصِرْتُم -أيها المؤمنون- في حَجِّكم فما اسْتَيْسَرَ مِن الهَدْيِ، فإذا أمنتم فمن تمتع مِمَّن حَلَّ من إحرامه بالحج إلى قضاء الحَجَّة التي فاتته حين أحصر عنها، ثم حَلَّ مُن عمرته فاستمتع بإحلاله من عمرته إلى أن يحج؛ فعليه ما استيسر من الهدي، وإن كان قد يكون متمتعًا مَن أنشأ عمرة في أشهر الحج، وقضاها، ثُمَّ حَلَّ من عمرته، وأقام حلالًا بمكة حتى يحج من عامه. غير أنّ الذي هو أولى بالذي ذكره الله في قوله: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج} هو ما وصفنا؛ مِن أجلِ أنّ الله -جَلَّ وعَزَّ- أخبر عمّا على المُحْصَر عن الحج والعمرة من الأحكام في إحصاره، فكان مما أخبر -تعالى ذِكْرُه- أنّه عليه ما استيسر من الهَدْيِ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، كان معلومًا بذلك أنّه معنيٌّ به اللازم له من العمل، بسبب الإحلال الذي كان من في حجه الذي أُحصر فيه، دون المتمتع الذي لم يتقدم عمرته ولا حجه إحصارُ مرض ولا خوف».