للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢ - تشجيع الفتية النابهين لتعلم القرآن وتفسيره، يبرز ذلك في رعاية عمر لعبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنهم- تعليمًا وأدبًا وسلوكًا، وتشجيعه على خوض غمار التفسير؛ لِما رأى فيه من النجابة والفطنة ورجاحة العقل وحب العلم وتطلبه، فكان يوجهه ويطلب رأيه في دقائق التفسير، ويستشيره في الأمر إذا أهمَّه ويقول له: "غص غواص" (١)، بل كان يدخله مجلسه مع أشياخ بدر حتى اعترض بعضهم، فأوقفهم عمر على سبب ذلك (٢)، وحتى أن أباه العباس بن عبد المطلب -رضي اللَّه عنه- قال له: "أيّ بني، إن أمير المؤمنين يدعوك ويقربك ويستشيرك مع أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فاحفظ عني ثلاث خصال: اتق لا يجربن عليك كذبة، ولا تفشين له سرًّا، ولا تغتابن عنده أحدًا" (٣).

فكان من آثار هذه الرعاية الكريمة نبوغ ترجمان القرآن، وحبر الأمة عبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنهما- وتصدره في علم القرآن فيما بعد، حتى كان أبرز الصحابة وأكثرهم رواية فيه.

٣ - من معالم القيادة الحكيمة والإدارة الفذة لعمر -رضي اللَّه عنه- توجيه كل صحابي للمكان المناسب له، فبعث القادة والمعلمين والمربين إلى الأمصار المفتوحة، فكان من نتائج ذلك بروز علماء الصحابة في مجالسهم ومدارسهم العلمية وتخرج نابغي التابعين على أيديهم (٤)، فهذا ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أرسله إلى أهل الكوفة فلبث بين ظهرانيهم حتى تخرج على يديه من كبار فقهاء التابعين ومفسريهم أمثال علقمة النخعي (ت: ٦٣ هـ) ومسروق (ت: ٦٣ هـ)، وأبقى معه في المدينة نفرًا من كبار الصحابة للفتيا والقضاء والمشورة والإقراء والتفسير، وتعليم من يفد إليها، خصوصًا علي بن أبي


(١) سير أعلام النبلاء ٣/ ٣٤٦.
(٢) فعن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال: "إنه ممن قد علمتم" قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم قال: وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} حتى ختم السورة، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد اللَّه ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئًا، فقال لي: يا ابن عباس، أكذاك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أعلمه اللَّه له: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فتح مكة، فذاك علامة أجلك: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. قال عمر: "ما أعلم منها إلا ما تعلم". أخرجه البخاري ٥/ ١٤٩.
(٣) المعجم الكبير للطبراني ١٠/ ٢٦٥.
(٤) وسيأتي تفصيله في مبحث أبرز العوامل والأحداث التاريخية المؤثرة في تفسير السلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>