للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طالب (١)، وأُبي بن كعب، الذي تخرج على يديه في القراءة والتفسير أمثال أبي العالية (ت: ٩٠ هـ)، كما تخرج عليه في القراءة حبر الأمة ابن عباس.

٤ - النص على أهمية التفسير اللغوي كمصدر للتفسير، وذلك من خلال الإفادة من لغة العرب وشعرها في تفسير القرآن -وهو المنهج الذي أعمله ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- بعد ذلك وتوسع فيه وأشاعه وربى تلاميذه عليه- حيث ورد عن عمر ما يدل على عنايته بهذا الاتجاه، من ذلك ما رواه أبو الصَّلْتِ الثقفي أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} بنصب الراء، وقرَأها بعضُ مَن عنده من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (حَرِجًا) بالخفض، فقال عمر: ابْغُوني رجلًا من كِنانة، واجعَلوه راعيًا، وليكنْ مُدْلِجيًّا. فأتَوه به، فقال له عمر: يا فتى، ما الحرِجَةُ فيكم؟ قال: الحَرِجَةُ فينا: الشجرة تكون بين الأشجار التي لا تصلُ إليها راعيةٌ ولا وحْشِيَّةٌ ولا شيء. فقال عمر: كذلك قلبُ المنافق لا يصلُ إليه شيءٌ من الخير (٢).

بل روي ذلك صريحًا من قوله فيما ذكره سعيد بن المسيب، حيث قال: بينما عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- على المنبر قال: يا أيها الناس، ما تقولون في قول اللَّه -عزَّ وجلَّ-: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: ٤٧] فسكت الناس، فقال شيخ من بني هذيل: هي لغتنا يا أمير المؤمنين، التخوف التنقص. فخرج رجل فقال: يا فلان، ما فعل دَيْنك؟ قال: تخوفته؛ أي: تنقصته، فرجع فأخبر عمر فقال عمر: أتعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد تَمَكِهِ (٣) واكتنازه:

تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدًا ... كما تخوف عود النبعة السفن


(١) اشتهر علي -رضي اللَّه عنه- في المدينة في خلافة عمر وعثمان بالفتيا والقضاء ومشورة الخلفاء وربما الإقراء، ولم أقف -حسب علمي- على روايات تفيد تصدره للتفسير أثناء ذلك، مع طول ذلك العهد وكونه أكثر تفرغًا من عهد خلافته، ومن ثم وجود تلاميذ لازموه حينئذ، إلا أن يكون ابن عباس فقد روي عنه قوله: "ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب"، وما اشتهر من تصديه للتفسير فقد كان أيام خلافته بالكوفة، كما سيأتي في مبحث أبرز العوامل والأحداث التاريخية المؤثرة في تفسير السلف، والمسألة تحتاج إلى بحث وتتبع، واللَّه أعلم.
(٢) أخرجه ابن جرير ٩/ ٥٤٤، ٥٤٥.
(٣) تمك السنام: طال وارتفع. كما في الصحاح للجوهري (تمك).

<<  <  ج: ص:  >  >>