للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال عمر: يا أيها الناس، عليكم بديوانكم شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم (١).

٥ - وقوف عمر -رضي اللَّه عنه- صخرةً شامخةً وسدًّا منيعًا أمام المتنطعين، ممن يخوض في متشابه القرآن، ويسأل عما فيه تعنتًا، فيَضل ويُضل، فعن نافع مولى عبد اللَّه، أن صبيغًا العراقي جعل يسأل عن أشياء من القرآن في أجناد المسلمين حتى قدم مصر، فبعث به عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنهما- فلما أتاه الرسول بالكتاب فقرأه فقال: أين الرجل؟ فقال: في الرحل، قال عمر: أبصر أن يكون ذهب فتصيبك مني به العقوبة الموجعة، فأتاه به، فقال عمر: تسأل مُحْدَثَةً! فأرسل عمر إلى رطائب من جريد، فضربه بها حتى ترك ظهره دبرة، ثم تركه حتى برأ، ثم عاد له، ثم تركه حتى برأ، فدعا به ليعود له، قال: فقال صبيغ: إن كنت تريد قتلي، فاقتلني قتلًا جميلًا، وإن كنت تريد أن تداويني، فقد واللَّه برأت، فأذن له إلى أرضه، وكتب إلى أبي موسى الأشعري -رضي اللَّه عنه- أن لا يجالسه أحد من المسلمين، فاشتد ذلك على الرجل، فكتب أبو موسى إلى عمر: أن قد حسنت توبته، فكتب عمر: أن ائذن للناس بمجالسته (٢).

مما سبق يمكن القول: إن عمر -رضي اللَّه عنه- يمثل مرحلة مهمة في تاريخ التفسير، تركه كثير ممن كتب فيه، فقد أوتي -رضي اللَّه عنه- من العلم والفهم والاستنباط، حتى نزلت آيات عديدة موافقة له (٣)، وقد أكد أصلًا عظيمًا من أصول التفسير، وهو الرجوع إلى لسان العرب وشعرهم، وشجع المؤهلين على الاجتهاد في التفسير، وعلى رأسهم ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-، وفي المقابل وقف سدًّا منيعًا أمام المتنطعين وأهل الأهواء، كل ذلك يبوئ عمر -رضي اللَّه عنه- مكانة عظيمة في التفسير وأصوله.

ويكفي دلالة على ذلك ما روي أن كبار مفسري الصحابة كابن مسعود وابن عباس -رضي اللَّه عنهم- كانوا يقفون عند قوله، وما جاء أن عامة علم ابن عباس من ثلاثة:


(١) الكشف والبيان "تفسير الثعلبي" ٦/ ١٩، تفسير القرطبي ١٠/ ١١٠.
(٢) أخرجه الدارمي ١/ ٢٥٤. وأخرج نحوه ابن عساكر ٢٣/ ٤١٢ من طريق السَّائِب بن يزيد أنَّ رجلًا قال لعمر: إنِّي مررتُ برجلٍ يسألُ عن تفسير مُشْكِل القرآن. . . الأثر. كما أخرجه الدارمي ١/ ٥٤ من طريق سليمان بن يسار: وفيه بلفظ: فجعل يسأل عن مُتَشابِهِ القُرْآن.
(٣) تنظر موافقات عمر في: الإتقان ١/ ١٢٧، في النوع العاشر: فيما أنزل من القرآن على لسان بعض الصحابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>