للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

توفي قبل ذلك ببضع سنين- وجد بيئة مختلفة عن بيئة المدينة النبوية، ومجتمعًا جديدًا له خصائصه المختلفة، مما دعاه إلى أن يبث علمه بينهم، ويتصدى لتفسير القرآن بين ظهرانيهم بصورة أوضح مما كان عليه في المدينة، وربما أدى ذلك إلى التأكيد على بعض من أصول التفسير وآداب المفسر والتنبيه عليها، لعلنا نستشفها من خلال المواقف التالية عنه -رضي اللَّه عنه- (١):

- عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: انتهى علي بن أبي طالبٍ -رضي اللَّه عنه- إلى رجلٍ يقص فقال: "أعلمت الناسخ من المنسوخ؟ " قال: لا، قال: "هلكت وأهلكت" (٢).

فهذا تنبيه منه -رضي اللَّه عنه- على أن من شروط المفسِّر أن يلم بالناسخ والنسوخ من القرآن؟ لأن عدم معرفته يؤثر في فهم المعنى (٣).

- عن أبي الصهباء البكري أن علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- قال وهو على المنبر: "لا يسألني أحد عن آية من كتاب اللَّه إلا أخبرته"، فقام ابن الكواء، وأراد أن يسأله عما سأل عنه صبيغ عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه-، فقال: ما الذاريات ذروًا؟ قال علي: "الرياح" (٤).

نجد هنا أنه ربما كان لاختلاف الأحوال والبيئة دور في كون عليٍّ -رضي اللَّه عنه- يجيب هنا عمن يسأله في القرآن تعنتًا (٥)، بخلاف ما كان عليه الأمر في عهد عمر -رضي اللَّه عنه-.

- عن سعيد بن المسيب قال: قال علي -رضي اللَّه عنه- لرجلٍ من اليهود: "أين جهنم؟ " فقال: البحر، فقال: "ما أراه إلا صادقًا، {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: ٦]، {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} مُخَفَّفَةً (٦).


(١) ينظر: دروس د. مساعد الطيار على الشبكة العالمية عن تاريخ التفسير http: //vb.tafsir.net ٣٠٣٠٠/#.viupxfkr ١٢ w
(٢) أخرجه النحاس، في الناسخ والمنسوخ: ١/ ٤٨، والبيهقي في سننه الكرى ١٠/ ٢٠٠ (٢٠٣٦٠).
(٣) والنسخ هنا حسب مفهوم المتقدمين، وهو يعم: الكلي (الاصطلاحي لدى المتأخرين)، والجزئي نحو تخصيص العام، وتقييد المطلق، وبيان المجمل، ورفع الحكم الشرعي. . . إلخ. ينظر: الموافقات ٣/ ٣٤٤ - ٣٤٥.
(٤) تفسير ابن جرير الطبري ٢١/ ٤٨١.
(٥) جاء في رواية عبد الرزاق الطويلة في تفسيره ٣/ ٢٣٤: أن عليًّا -رضي اللَّه عنه- أجابه ابتداء: "ويلك سل تفقهًا، ولا تسأل تعنتًا".
(٦) تفسير ابن جرير الطبري ٢١/ ٥٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>