للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي هذا الأثر تنبيه على ضابط قبول أخبار أهل الكتب السابقة عن أمور الغيب، فقد قبِل ما قاله اليهودي لما وجد له من شاهد من كتاب اللَّه تعالى.

- عن ابن عباسٍ، قال: "بينما أنا في الحجر جالسٌ، أتاني رجلٌ يسأل عن {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات: ١] فقلت له: الخيل حين تغير في سبجل اللَّه، ثم تأوي إلى الليل، فيصنعون طعامهم، ويورون نارهم. فانفتل عني، فذهب إلى علي بن أبي طالبٍ -رضي اللَّه عنه- وهو تحت سقاية زمزم، فسأله عن {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات: ١] فقال: سألت عنها أحدًا قبلي؟ قال: نعم، سألت عنها ابن عباسٍ، فقال: الخيل حين تغير في سبيل اللَّه، قال: اذهب فادعه لي؛ فلما وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به، واللَّه لكانت أول غزوةٍ في الإسلام لبدرٌ، وما كان معنا إلا فرسان: فرسٌ للزبير، وفرسٌ للمقداد فكيف تكون العاديات ضبحًا. إنما العاديات ضبحًا من عرفة إلى مزدلفة إلى منًى؛ قال ابن عباسٍ: فنزعت عن قولي، ورجعت إلى الذي قال علي -رضي اللَّه عنه-" (١).

ففي هذا الأثر دلالة على بروز ضوابط الترجيح وقواعده، كما يدل على بروز احتمال تعدد دلالة النص القرآني.

ولقد كان علي -رضي اللَّه عنه- عالمًا بالقرآن إقراءًا وتفسيرًا، روي عنه أنه قال: "ألا أحد يسألني عن القرآن؟ فواللَّه لو أعلم اليوم أحدًا أعلم به مني، وإن كان من وراء البحور لأتيته" (٢). وهو أكثر الخلفاء آثارًا في التفسير، ولعل السبب في ذلك تأخر وفاته إلى عهد نشأت فيه حاجة أكبر لبيان القرآن، خصوصًا بعد انتقاله إلى مجتمع جديد يختلف عن مجتمع المدينة، إضافة إلى ما برز في خلافته من فتن وقلاقل تطلبت النظر في القرآن واستخراج أحكامه، كمسألة الخلاف بين الصحابة (٣)، وخروج الخوارج وغلو الشيعة فيه، وستأتي أمثلة لبعض ذلك عند الحديث عن العوامل التاريخية المؤثرة في التفسير.

وقيل أيضًا: إن من أسباب ذلك أن الخلافة لم تشغله مبكرًا، وكان متفرغًا أكثر من غيره ممن سبقه من الخلفاء الكرام.


(١) تفسير ابن جرير ٢٤/ ٥٧٣.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٧/ ٢٢٤٦.
(٣) ينظر مثلًا إلى قول علي بن أبي طالب: إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال لهم اللَّه -عزَّ وجلَّ-: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>