وأمّا ابنُ كثير (١/ ٥٩٧) فذكر قولَ ابن عمر لما سُئِل عن تحميض الجواري: وهل يفعل ذلك أحدٌ من المسلمين؟!، ثم قال: «وهذا إسناد صحيح، ونصٌّ صريحٌ منه بتحريم ذلك، فكلُّ ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم».يقول ابنُ عطية (١/ ٥٤٦ - ٥٤٧ بتصرف) بعد توجيهه السابق لما ورد عن ابن عمر: «وقد ورد عن رسول - صلى الله عليه وسلم - ... أنه قال: «إتيان النساء في أدبارهن حرام» ... وهذا هو الحقُّ المُتَّبَع، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زَلَّةِ عالم بعد أن تَصِحَّ عنه». وقال ابن تيمية (١/ ٥١٥) أيضا: «لكن بكُلِّ حال معنى الآية هو ما فسرها به الصحابة والتابعون، وسببُ النزول يدلُّ على ذلك؛ فإنّ الله قال في كتابه: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}. وقد ثبت في الصحيح: أنّ اليهود كانوا يقولون إذا أتى الرجل امرأته في قُبُلها من دُبُرها: جاء الولدُ أحول. فسأل المسلمون عن ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فأنزل الله هذه الآية: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم}، والحرثُ: موضع الزرع، والولدُ إنّما يزرع في الفَرْجِ لا في الدُّبُر، {فأتوا حرثكم} وهو موضع الولد {أنى شئتم} أي: مِن أين شئتم؛ من قُبُلِها، ومن دُبُرِها، وعن يمينها، وعن شمالها. فالله تعالى سَمّى النساء حرثًا؛ وإنما رَخَّص في إتيان الحروث، والحرث إنما يكون في الفرج. وقد جاء في غير أثر: أنّ الوطءَ في الدُّبُرِ هو اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرى. وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: «إنّ الله لا يستحيي من الحق؛ لا تأتوا النساء في حُشُوشِهِنَّ». والحُشُّ هو: الدُّبُر، وهو موضع القَذَر. والله سبحانه حَرَّم إتيان الحائض مع أنّ النجاسة عارضة في فرجها، فكيف بالموضع الذي تكون فيه النجاسة المُغَلَّظة؟!».وذكَر ابنُ القيِّم (١/ ١٧٦) أن من نَسَب إلى بعض السلف جواز وطء الزوجة في دُبُرها، فقد غَلِط عليه.