ورَجَّح ابنُ جرير (٤/ ١٦٢) القولَ الثاني الذي قال به عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وعثمان بن عفان، وقَبيصَة بن ذُؤَيب، وابن عباس، ومجاهد، والنَّخَعِيّ مستندًا إلى دلالة ألفاظ الآية، فقال: «لأنّ الله -تعالى ذِكْرُه- لم يَخُصَّ ما أباح لهما من ذلك على حَدِّ لا يُجاوَز، بل أطلق ذلك في كلِّ ما افتدت به، غير أنِّي أختارُ للرجل استحبابًا لا تحتيمًا إذا تَبَيَّنَ من امرأته أنّ افتداءها منه لغير معصية لله، بل خوفًا منها على دينها أن يفارقها بغير فدية، ولا جُعْل، فإن شَحَّت نفسُه بذلك فلا يبلغ بما يأخذ منها جميع ما آتاها». وقال مُبَيِّنًا (٤/ ١٥٧) حُجَّة القائلين بهذا القول: «واحتجوا لقولهم ذلك بعموم الآية، وأنّه غير جائز إحالةُ ظاهرٍ عامٍّ إلى باطن خاصٍّ إلا بحُجَّةٍ يجب التسليم لها، قالوا: ولا حُجَّة يجب التسليمُ لها بأنّ الآية مرادٌ بها بعضُ الفِدْيَة دون بعضٍ من أصلٍ، أو قياس؛ فهي على ظاهرها وعمومها». وانتَقَدَ ابنُ جرير (٤/ ١٦٣) القول الأول بعكس ما قال في ترجيح القول الثاني. ونَقَل (٤/ ١٥٤) حُجَّة قائليه من السياق، والسنّة، فقال: «واحْتَجُّوا في قولهم ذلك بأنّ آخر الآية مردودٌ على أولها، وأنّ معنى الكلام: ولا يَحِلُّ لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به مما آتيتموهن. قالوا: فالذي أحَلَّه الله لهما من ذلك عند الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله هو الذي كان حُظِر عليهما قبل حال الخوف عليهما من ذلك. واحْتَجُّوا في ذلك بقصة ثابت بن قيس بن شماس، وأنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنّما أمر امرأته إذْ نَشَزَتْ عليه أن تَرُدَّ ما كان ثابتٌ أصْدَقَها، وأنها عَرَضَتِ الزيادةَ فلم يقبلها النبي - صلى الله عليه وسلم -». وذهبَ ابنُ كثير (٢/ ٣٥١) إلى نحوه.