للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بدأت الدولة العباسية والأحوال مضطربة، وانتقضت عليها عدة جهات خصوصًا المغرب والأندلس، كذلك ظهر في عمقها حركات مناوئة قوية، أشهرها حركة محمد بن عبد اللَّه بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بالمدينة وأخيه إبراهيم بالبصرة عام ١٤٥ هـ، إِلا أن أبا جعفر المنصور تمكن من القضاء عليها بعد أن كادت تقضي عليه (١)، وكان لتلك الحركة أثر على أهل العلم حيث أيدها كثير منهم كمالك بن أنس في المدينة، وأبي حنيفة بالكوفة، وغيرهما (٢)، ولا شك أنهم تأثروا بعواقبها، كذلك كان من أشد من تأثر بجبروت أبي جعفر المنصور سفيانُ الثوري الذي ظل آخر حياته متخفيًّا متنقلًا هربًا منه، وذلك لأنه كان ينكر على أبي جعفر ظلمه وجوره، إلى أن انتقل إلى مكة وظل متخفيًّا حتى توفي المنصور.

ثم استقرت الأمور في أواخر عهد المنصور ثم المهدي والرشيد، ونشطت المجالس والرحلات العلمية في شتى أرجاء البلاد الإسلامية؛ خصوصًا في مكة والمدينة والكوفة والبصرة، ونشأ أعلام التفسير والحديث والفقه.

من جهة أخرى كان لظهور الدولة العباسية وانتقال الخلافة إلى العراق أثر في رحلة العلماء إليها، كمقاتل بن سليمان الذي انتقل من خراسان واستقر بها متنقلًا بين بغداد والبصرة، كذلك رحل إليها بعض أعلام المدينة كمحمد بن إسحاق، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة الرأي، وغيرهم.

هذا وقد بلغت الحركة العلمية ذروتها في عصر الدولة العباسية، تَمثَّل ذلك في معالم بارزة، من أهمها:

١ - اتساع العلوم بأنواعها من علوم القرآن والحديث والفقه وغيرها، وأصبح لها مبادئ وأسس وقواعد مدونة، ومتخصصون في كل منها، بل تكاملت علوم كانت ناشئة في أواخر القرن الأول، يظهر هذا جليًّا في علوم العربية، التي استقرت على يدي جهابذة أهل اللغة في هذا العصر كالخليل بن أحمد الفراهيدي (ت: ١٧٥ هـ)، وسيبويه (ت: ١٨٠ هـ)، والكسائي (ت: ١٨٣ هـ)، والفراء (ت: ٢٠٧ هـ)، وأبي عبيدة معمر بن المثنى (ت: ٢٠٩ هـ)، وغيرهم.

٢ - ظهور المذاهب الفقهية الكبرى التي أضحى لها أتباع مقلدون، كمذهب أبي حنيفة (ت: ١٥٠ هـ)، ومالك بن أنس (ت: ١٧٩ هـ)، ومن المذاهب المندثرة: مذهب الأوزاعي


(١) ينظر: سير أعلام النبلاء ٧/ ٨٩.
(٢) ينظر: تاريخ الخلفاء ص ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>