ورَجَّح ابنُ جرير (٤/ ٤٠٦ بتصرف)، وابنُ تيمية (١/ ٥٧٥)، وإليه ذهب ابنُ كثير (٢/ ٤١١) القولَ بعدم النسخ الذي قاله ابنُ عباس من طريق عطاء، ومجاهد، وعطاء، استنادًا إلى عدم التعارض بين الآيتين، وذلك «أنّ هذه الآية لم تدل على وجوب الاعتداد سَنَةً حتى يكون ذلك منسوخًا بالأربعة الأشهر وعشرًا، وإنّما دلَّت على أنّ ذلك كان من باب الوصاة بالزوجات أن يُمَكَنَّ مِن السُّكْنى في بيوت أزواجهن بعد وفاتهم حولًا كاملًا إن اخترن ذلك، ولهذا قال: {وصية لأزواجهم} أي: يوصيكم الله بهن وصيةً، كقوله: {يوصيكم الله في أولادكم} الآية [النساء: ١١]، وقال: {وصية من الله} [النساء: ١٢]. فأما إذا انقضَتْ عِدَّتُهُنَّ بالأربعة الأشهر والعشر، أو بوضع الحمل، واخترن الخروج والانتقال من ذلك المنزل؛ فإنّهُنَّ لا يُمْنَعْنَ مِن ذلك؛ لقوله: {فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف}. ثُمَّ إن الله -تعالى ذِكْرُه- أبطل مِمّا كان جُعِل لَهُنَّ مِن سكنى حولٍ سبعةَ أشهر وعشرين ليلة، ورَدَّهُنَّ إلى أربعة أشهر وعشر على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ... عن فريعة أخت أبي سعيد الخدري: أنّ زوجها خرج في طلب عبدٍ له، فلحقه بمكان قريب، فقاتله، وأعانه عليه أعْبُدٌ معه، فقتلوه، فأتتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالتْ: إنّ زوجها خرج في طلب عبدٍ له، فلقيه عُلُوجٌ، فقتلوه، وإنِّي في مكانٍ ليس فيه أحد غيري، [وإني] أجمع لأمري أن أنتقل إلى أهلي. فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بل امكثي مكانك حتى يبلغ الكتاب أجله». قالت: فاعتددتُ فيه أربعة أشهر وعشرًا». وعَلَّق ابنُ كثير (٢/ ٤١١ - ٤١٢) على القول بنسخ النفقة بآيات الميراث، فقال: «قولُ عطاء ومَن تابعه على أنّ ذلك منسوخٌ بآية الميراث، إن أرادوا ما زاد على الأربعة أشهر والعشر فمُسَلَّمٌ، وإن أرادوا أنّ سكنى الأربعة الأشهر وعشر لا تجب في تركة الميِّت فهذا محل خلاف بين الأئمة، وهما قولان للشافعي». ورَجَّح ابنُ عطية (١/ ٦٠٧) نسخَ الآية مستندًا إلى اتفاقهم على النسخ، فقال بعد ذكره لأحكامها: «وهذا كُلُّه قد زال حكمُه بالنسخِ المتفقِ عليه».