للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وثمانون، وخَلَص في ثلاثمائة وبضعة عشر، عِدَّةُ أهل بدر (١) [٩٦٥]. (٣/ ١٤٦)


[٩٦٥] اختلف أهلُ التأويل في الذين جاوزوا النهر مع طالوت على قولين: الأول: هم أهل الإيمان فقط؛ مَن لم يشرب مِن النهر، ومَن شرب منه غرفة. والثاني: هم أهل الإيمان، وأهل الكفر؛ الذين شربوا منه الكثير.
والظاهرُ مِن كلام ابن عطية (٢/ ١٥) ميلُه للقول الأول، حيث قال: «وما رُوِي عن ابن عباس مِن أنّ في الأربعة الآلاف من شَرِب؛ يَرِدُ عليه قولُه تعالى: {هو والذين آمنوا معه}. وأكثرُ المفسرين على أنّه إنّما جاوز النَّهَر مَن لم يشرب إلا غرفة ومَن لم يشرب جُمْلَةً، ثم كانت بصائرُ هؤلاء مختلفةً؛ فبعضٌ كَعَّ، وقليلٌ صَمَّمَ».
وقد رَجَّحَ ابنُ جرير (٤/ ٤٩٢ - ٤٩٣ بتصرف) القولَ الثاني، وانتَقَدَ القولَ الأولَ، استنادًا إلى السياق، فقال: «وأَوْلى القولين في ذلك بالصواب: ما رُوِي عن ابن عباس، وقاله السُّدِّيُّ، وهو أنّه جاوز النَّهَرَ مع طالوت المؤمنُ الذي لم يشرب من النهر إلا الغرْفَة، والكافرُ الذي شرب منه الكثير، ثم وقع التَّمْيِيزُ بينهم بعد ذلك برؤية جالوت ولقائه، وانخَزَلَ عنه أهلُ الشِّرك والنفاق. فإن ظَنَّ ذو غفلة أنّه غيرُ جائز أن يكون جاوز النَّهَرَ مع طالوت إلا أهلُ الإيمان الذين ثبتوا معه على إيمانهم، ومَن لم يشرب من النهر إلا الغرفة -لأن الله تعالى ذكره قال: {فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه}. فكان معلومًا أنّه لم يُجاوِز معه إلا أهل الإيمان، على ما روي به الخبرُ عن البراء بن عازب، ولأنّ أهل الكفر لو كانوا جاوزوا النهر كما جاوزه أهلُ الإيمان لَما خَصَّ اللهُ بالذكر في ذلك أهلَ الإيمان- فإنّ الأمر في ذلك بخلاف ما ظَنَّ؛ وذلك أنّه غير مُسْتَنكر أن يكون الفريقان -أعني: فريق الإيمان، وفريق الكفر- جاوزوا النهر، وأخبر الله نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عن المؤمنين بالمجاوزة؛ لأنهم كانوا من الذين جاوزوه مع ملِكِهم، وترك ذكر أهل الكفر وإن كانوا قد جاوزوا النَّهَر مع المؤمنين. والذي يَدُلُّ على صِحَّةِ ما قُلنا في ذلك قولُ الله -تعالى ذكره-: {فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله}. فأوجب اللهُ -تعالى ذكره- أنّ الذين يظنون أنّهم ملاقو الله هم الذين قالوا عند مجاوزة النهر: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} دون غيرهم الذين لا يَظُنُّون أنهم ملاقو الله، وأنّ الذين لا يظنون أنهم ملاقو الله هم الذين قالوا: {لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}. وغيرُ جائز أن يُضاف الإيمانُ إلى مَن جَحَدَ أنّه مُلاقي اللهِ، أو شَكَّ فيه».

<<  <  ج: ص:  >  >>