للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الديوان فأخذه فأرسله عن سعيد بن جبير" (١).

في هذه الرواية العزيزة فوائد نفيسة متعلقة بتاريخ تدوين التفسير، منها:

١ - أن التدوين الرسمي المنظم للتفسير بدأ مبكرًا جدًّا مع تدوين الحديث وربما قبله، وذلك في عهد عبد الملك بن مروان (ت: ٨٦ هـ)، ولا بد أنه قبل عام ٨١ هـ، الذين بدأت فيه فتنة خروج ابن الأشعث على الحجاج والي العراق لعبد الملك، والتي خرج معه فيها سعيد بن جبير، ويبعد أن يكاتبه عبد الملك بن مروان بذلك بعد خروجه عليه.

٢ - أن تدوين التفسير المرتب المقصود به التصنيف للآخرين بدأ مبكرًا جدًّا، تدل عليه هذه القصة، حيث طلب الخليفة من سعيد كتابة التفسير فكتبه بيده كما يظهر، ولأنها كانت بطلب رسمي فلا بد أنها أكثر ترتيبًا وتنظيمًا، حتى أنها أودعت خزانة الدولة، وهذا خلاف ما هو معهود في كتابة التفسير آنذاك بالكتابة للفائدة الشخصية الخاصة، أو بإملاء الشيخ على تلاميذه.

٣ - أن سعيد بن جبير كتب نسخة من تفسير القرآن، ولم تبين الرواية مقدار ما كتب، لكن يظهر من لفظ الرواية أنها نسخة كبيرة.

٤ - أن التفسير علم مستقل قائم بذاته منذ ذلك العهد وقبله، وهذا ينقض ما قيل من أن التفسير لم يكن في هذه المرحلة إلا جزءًا من الحديث.

٥ - أن تلك النسخة ظلت محفوظة في ديوان الخلافة بدمشق حتى اطلع عليها عطاء بن دينار (ت: ١٢٦ هـ)، فأخذ نسخة منها ورواها عن سعيد مرسلة، وعطاء لم يلق سعيدًا كما ذكر أبو حاتم الرازي.

٦ - أن هذه النسخة ربما تكون من أقدم نسخ التفسير التي وصلتنا! وذلك أن ابن أبي حاتم يروي في تفسيره نسخة تفسيرية كبيرة عن سعيد بن جبير (ت: ٩٥ هـ) من طريق ابن لهيعة عن عطاء بن دينار (ت: ١٢٦ هـ)، وهي مبثوثة في هذه الموسوعة نقلًا عما وُجد من تفسير ابن أبي حاتم.

والناظر في مرويات تلك النسخة يجد أنها ذات تفسير تحليلي لألفاظ القرآن تتميز بالتوسع والتفصيل حتى يفسر الواضح من الألفاظ، مما يدل أنها أُلفت للغير، وهذا يشير إلى أن ذلك المنهج قديم، وليس كما ذُكر من أن الصحابة والتابعين كانوا لا


(١) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ٦/ ٣٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>