ورأى ابنُ عطية (٥/ ١٦١ - ١٦٢) قُرْبَ الخلاف بين القولين، فذكر أنّ المحكم هو المُتَّضِحُ المعنى لِكُلِّ مَن يفهم كلام العرب، والمُتشابِهُ يَتَنَوَّعُ؛ فمِنه ما لا يُعْلَمُ البَتَّةَ كأمر الروح، ومنه ما يُحْمَل على وجوهٍ في اللغة ويَحتاج إلى إزالةِ ما يعلق به من لَبْسٍ. فإن جعلنا {والراسخون} معطوفة على اسم الله؛ فالمعنى: إدخالهم في علم التأويل لا على الكمال، فذلك ليس إلا لله، بل علمُهم إنّما هو في النوع الثاني من المتشابه، وإن جعلنا قوله: {والرّاسِخُونَ} رفعًا بالابتداء مقطوعًا مما قبله؛ فتسميتُهم راسخين يقتضي بأنّهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميعُ مَن يفهم كلام العرب. وكذا رأى ابنُ تيمية (٢/ ١٩) عدمَ المنافاة بين القولين، فقال: «إنّ السلف كان أكثرهم يقفون عند قوله: {وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ}، بناءً على أنّ التأويل الذي هو الحقيقة التي استأثر الله بعلمها لا يعلمها إلا هو، وطائفة منهم كمجاهد وابن قتيبة وغيرهما قالوا: بل الراسخون يعلمون التأويل. ومرادهم بالتأويل المعنى الثاني، وهو: التفسير. فليس بين القولين تناقُضٌ في المعنى».