للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِمّا جاء منه، فرَدُّوا المتشابه على المُحْكَم، فقالوا: {كل من عند ربنا} (١). (ز)

١٢٠٦٣ - قال مقاتل بن سليمان: {يقولون آمنا به كل من عند ربنا}، يعني: قليله وكثيره مِن عند ربنا (٢). (ز)

١٢٠٦٤ - عن مالك بن أنس -من طريق أشْهَب- في قوله: {وما يعلم تأويله إلا الله}، قال: ثُمَّ ابتدأ فقال: {والراسخون في العلم يقولون آمنا به}، وليس يعلمون تأويلَه (٣) [١١١٨]. (٣/ ٤٦٠)


[١١١٨] اختُلِف في كلمة {الراسخون}؛ أهِي مُسْتَأْنَفَةٌ، أم معطوفة. ورَجَّح ابنُ جرير (٥/ ٢٢١ - ٢٢٢) القولَ الأوّل الذي قال به ابن عباس من طريق طاووس، وعائشة، وعروة، وعمر بن عبد العزيز، ومالك، وأبو نهيك الأسدي مُسْتَنِدًا إلى القراءات، ودلالة العقل، وعلّل ذلك بأنّ الراسخين لا يعلمون تأويل المتشابه الذي ذكره الله - عز وجل - في هذه الآية، ولِمُوافقتِه لِما بَلَغَهُ مِن قراءة أُبَيٍّ وابن عباس: (ويَقُولُ الرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ)، وقراءة عبد الله: (إن تَأْوِيلُهُ إلّا عِندَ اللهِ والرّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ).
ورأى ابنُ عطية (٥/ ١٦١ - ١٦٢) قُرْبَ الخلاف بين القولين، فذكر أنّ المحكم هو المُتَّضِحُ المعنى لِكُلِّ مَن يفهم كلام العرب، والمُتشابِهُ يَتَنَوَّعُ؛ فمِنه ما لا يُعْلَمُ البَتَّةَ كأمر الروح، ومنه ما يُحْمَل على وجوهٍ في اللغة ويَحتاج إلى إزالةِ ما يعلق به من لَبْسٍ. فإن جعلنا {والراسخون} معطوفة على اسم الله؛ فالمعنى: إدخالهم في علم التأويل لا على الكمال، فذلك ليس إلا لله، بل علمُهم إنّما هو في النوع الثاني من المتشابه، وإن جعلنا قوله: {والرّاسِخُونَ} رفعًا بالابتداء مقطوعًا مما قبله؛ فتسميتُهم راسخين يقتضي بأنّهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميعُ مَن يفهم كلام العرب.
وكذا رأى ابنُ تيمية (٢/ ١٩) عدمَ المنافاة بين القولين، فقال: «إنّ السلف كان أكثرهم يقفون عند قوله: {وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللَّهُ}، بناءً على أنّ التأويل الذي هو الحقيقة التي استأثر الله بعلمها لا يعلمها إلا هو، وطائفة منهم كمجاهد وابن قتيبة وغيرهما قالوا: بل الراسخون يعلمون التأويل. ومرادهم بالتأويل المعنى الثاني، وهو: التفسير. فليس بين القولين تناقُضٌ في المعنى».

<<  <  ج: ص:  >  >>