أرسلت بها إلى مسجد بيت المقدس، فوضعتها فيه، فتنافسها الأحبارُ بنو هارون، فقال لهم زكريا: أنا أحَقُّكم بها؛ عندي أختها، فذَروها لي. فقالت الأحبار: لو تُرِكَتْ لأقرب الناس إليها لتُرِكَت لأُمِّها، ولكنّا نَقْتَرع عليها، فهي لمن خرج سهمُه. فاقترعوا عليها بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي، فقرعهم زكريا، فضمَّها إليه، واسترضع لها، حتى إذا شبَّت بنى لها محرابًا في المسجد، وجعل بابه في وسطه، لا يُرْتَقى إليها إلا بسُلَّم، ولا يَأْمَن عليها غيرَه (١). (ز)
١٢٦٥٥ - قال مقاتل بن سليمان: ... وخشِيَتْ حنَّةُ ألّا تُقْبَل الأنثى مُحَرَّرَةً، فلَفَّتها في خِرَقٍ، ووضعتها في بيت المقدس عند المحراب، حيث يدرس القُرّاء، فتساهم القومُ عليها -لأنها بنت إمامهم وسيِّدهم، وهم الأحبار من ولد هارون- أيُّهم يأخذها. قال زكريا -وهو رئيس الأحبار-: أنا آخذها، أنا أحقّكم بها؛ لأنّ أختها أم يحيى عندي. فقال القُرّاء: وإن كان في القوم مَن هو أقرب إليها منك؟ فلو تُرِكَت لأحقِّ الناس بها لَتُرِكَت لأمها، ولكنَّها محرَّرة، ولكن هَلُمَّ نَتَساهَم عليها، مَن خرج سهمُه فهو أحقُّ بها. فاقْتَرَعوا، فقال الله - عز وجل - لمحمّد - صلى الله عليه وسلم -: {وما كُنتَ لَدَيْهِمْ} يعني: عندهم فتشهدهم، {إذْ يُلْقُون أقْلامَهُمْ} حين اقترعوا ثلاث مرّات بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي أيُّهم يكفلها؟ أيُّهم يضمُّها؟ فقرعهم زكريا، فقبضها. ثُمَّ قال الله - عز وجل - لمحمّد - صلى الله عليه وسلم -: {وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ}[آل عمران: ٤٤] في مريم، فذلك قوله:{وكَفَّلَها زَكَرِيّا}(٢). (ز)
١٢٦٥٦ - عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: كفلها بعد هلاك أُمِّها، فضمَّها إلى خالتها أم يحيى [١١٦٩]، حتى إذا بلغت أدخلوها الكنيسة لِنَذْر أُمِّها الذي نَذَرَتْ فيها (٣). (ز)
[١١٦٩] علّق ابن كثير (٣/ ٥٢ بتصرف) على قول ابن إسحاق بأنّ زكريّا كانت تحته خالة مريم، فقال: «وإنّما قدَّر الله كون زكريا كافلها لسعادتها، ولأنّه كان زوج خالتها، على ما ذكره ابن إسحاق. وقيل: زوج أختها، كما ورد في الصحيح: «فإذا بيحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة». وقد يُطلق على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضًا توسُّعًا، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها».