للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غيرها. فصلّى عيسى ركعتين، ثُمَّ نادى: يا فلانةُ، قُومي بإذن الرَّحْمن، فاخرُجي. فتحرَّك القبْرُ، ثم نادى الثّانية، فانصدع القبر، ثم نادى الثالثة، فخرجت وهي تنفُضُ رأسَها مِن التُّراب، فقالت: يا أُمّاه، ما حملك على أن أذوق كَرْب الموت مَرَّتين، يا أُمّاه، اصبري واحتسبي، فلا حاجة لي في الدُّنيا، يا رُوح الله، سل ربي أن يَرُدَّني إلى الآخرة، وأن يُهَوِّن عَلَيَّ كَرْب الموت. فدعا ربَّه، فقبضها إليه، فاستوت عليها الأرض، فبلغ ذلك اليهود، فازدادوا عليه غضبًا، وكان مَلِكٌ منهم في ناحية في مدينة يُقال لها: نَصِيبِين، جبّارًا عاتيًا، وأمر عيسى بالمسير إليه ليدعوه وأهلَ تلك المدينة إلى المراجعة، فمضى حتى شارف المدينة ومعه الحَوارِيُّون، فقال لأصحابه: ألا رجلٌ منكم ينطلق إلى المدينة، فينادي فيها، فيقول: إنّ عيسى عبدُ الله ورسولُه. فقام رجلٌ مِن الحوارِيِّين يُقال له: يعقوب. فقال: أنا، يا رُوح الله. قال: فاذهبْ، فأنت أوَّلُ مَن يتبرَّأُ مِنِّي. فقام آخر يُقال له: توصار. قال له: أنا معه. قال: وأنت معه. ومشيا، فقام شمعون، فقال: يا رُوح الله، أكون ثالثهم، فأْذَنْ لي أن أنال منك إن اضطررت إلى ذلك. قال: نعم. فانطلقوا، حتى إذا كانوا قريبًا من المدينة قال لهما شمعون: ادخلا المدينة، فبلِّغا ما أُمِرتما، وأنا مقيم مكاني، فإن ابْتُلِيتُما احْتَلْتُ لكما. فانطلقا حتى دخلا المدينة، وقد تحدَّث الناسُ بأمر عيسى، وهم يقولون فيه أقبحَ القول وفي أُمِّه، فنادى أحدُهما -وهو الأوَّلُ-: ألا إنّ عيسى عبدُ الله ورسولُه. فوَثَبوا إليهما: مَن القائلُ: إنَّ عيسى عبدُ الله ورسوله؟ فتبرَّأ الذي نادى، فقال: ما قلتُ شيئًا. فقال الآخرُ: قد قلتَ، وأنا أقول: إنّ عيسى عبدُ الله ورسوله، وكلمتُه ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه، فآمِنوا به -يا معشر بني إسرائيل- خيرًا لكم. فانطلقوا إلى ملكهم، وكان جبّارًا طاغيًا، فقال له: ويلك، ما تقول؟! قال: أقول: إنّ عيسى عبدُ الله ورسولُه، وكلمتُه ألقاها إلى مريم، وروحٌ منه. قال: كذبتَ. فقذفوا عيسى وأُمَّه بالبُهْتان، ثُمَّ قال له: تَبَرَّأْ -ويلَك- مِن عيسى، وقُلْ فيه مقالَتنا. قال: لا أفعلُ. قال: إن لم تفعل قطعتُ يديك، ورجليك، وسَمَرْتُ (١) عينيك. فقال: افعلْ ما أنت فاعل. ففعل به ذلك، فألقاه على مَزْبلة في وسط مدينتهم. ثم إنّ الملك هَمَّ أن يقطع لسانه إذ دخل شمعون وقد اجتمع النّاس، فقال لهم: ما قال هذا المسكين؟ قالوا: يزعم أنّ عيسى عبدُ الله ورسولُه. فقال شمعون: أيُّها الملكُ، أتأذن لي فأدنو


(١) هو أن يُحَمِّيَ مسامير الحديد ثم يكحُلُها بها. النهاية (سمر).

<<  <  ج: ص:  >  >>