للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قدموا عليك مِن أهل مكة إنّما يريدون أن يَخْبِلوا (١) عليك مُلْكَك، ويُفْسِدوا عليك أرضَك، ويشتموا ربَّك. فأرسل إليهم النجاشيُّ، فلمّا أن أتوه قال: ألا تسمعون ما يقول صاحباكم هذان -لعمرو بن العاص، وعمارة بن أبي مُعيط-! يزعمان أنّما جِئتُم لتَخْبِلوا عَلَيَّ مُلْكي، وتُفسِدوا عَلَيَّ أرضي. فقال عثمان بن مَظْعُون وحمزة: إن شئتم فخلُّوا بين أحدنا وبين النجاشي، فلنُكَلِّمْه، فأنا أحْدَثُكم سِنًّا، فإن كان صوابًا فالله يأتي به، وإن كان أمرًا غير ذلك قلتم: رجل شابٌّ، لكم في ذلك عذر. فجمع النجاشِيُّ قِسِّيسِيهِ ورُهْبانَه وتَراجِمَتَه، ثم سألهم: أرأيتكم صاحبَكم هذا الذي مِن عنده جئتُم، ما يقول لكم وما يأمركم به وما ينهاكم عنه، هل له كتاب يقرؤه؟ قالوا: نعم، هذا الرجل يقرأ ما أنزل الله عليه، وما قد سمع منه، وهو يأمُرُ بالمعروف، ويأمُرُ بحسن المجاورة، ويأمُرُ باليتيم، ويأمرُ بأن يُعبد الله وحده، ولا يُعبَد معه إلهٌ آخر. فقرأ عليه سورة الروم وسورة العنكبوت وأصحاب الكهف ومريم، فلمّا أن ذكر عيسى في القرآن أراد عمرو أن يُغْضِبَه عليهم، فقال: واللهِ، إنّهم ليشتمون عيسى ويَسُبُّونه. قال النجاشي: ما يقول صاحبكم في عيسى؟ قال: يقول: إنّ عيسى عبد الله، ورسوله، وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم. فأخذ النجاشيُّ نفثةً (٢) مِن سواكه قَدْرَ ما يُقَذِّي (٣) العين، فحلف: ما زاد المسيحُ على ما يقول صاحبكم، ما يَزِنُ ذلك القَذى في يده مِن نَفْثَةِ سِواكِه، فأبشِروا، ولا تخافوا، فلا دهونة -يعني بلسان الحبشة: اليوم (٤) - على حِزب إبراهيم. قال عمرو بن العاصي: ما حِزبُ إبراهيم؟ قال: هؤلاء الرهط وصاحبُهم الذي جاؤوا من عنده ومَن اتبعهم. فأُنْزِلَتْ ذلك اليوم خُصُومَتُهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بالمدينة: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النَّبِيّ والذين آمنوا والله ولي المؤمنين} (٥). (٣/ ٦١٩)

١٣٢٩٧ - عن عبد الله بن عباس -من طريق الكلبي، عن أبي صالح- =


(١) الخَبْل: الفساد. أي: يُفسدوا عليك ملكك. لسان العرب (خبل).
(٢) النُّفاثة: الشَّظِيَّة من السواك تبقى في فم الرجل فينفثها. لسان العرب (نفث).
(٣) القذى: عُوَيْدٌ أو تراب يقع في العين. المحيط في اللغة (قذى).
(٤) كذا في المصدر، والدر المنثور، وجاء في العجاب ٢/ ٦٩١: لا دهوره -أي: لا خوف-، وفي تفسير الآلوسي ٢/ ١٩١: فلا دهونة -يعني بلسان الحبشة: اللوم-.
(٥) أخرجه عبد بن حميد، كما في قطعة من تفسيره ص ٣٢ (٤٥).
قال ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب ٢/ ٦٩٢: «وقصة عمرو بن العاص وجعفر بن أبي طالب عند النجاشي مروية من طرق متعددة ... وليس في شيء منها نزول هذه الآية في هذه القصة».

<<  <  ج: ص:  >  >>