للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٣٢٩٨ - وعن عبد الرحمن بن غَنْم، عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - =

١٣٢٩٩ - وذكره محمد بن إسحاق بن يسار، وقد دَخَل حديثُ بعضِهم في بعض، قالوا: لَمّا هاجر جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة، واستقرت بهم الدار، وهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، وكان مِن أمر بدر ما كان؛ اجتمعت قريش في دار النَّدْوَة، وقالوا: إنّ لنا في أصحاب محمد الذين عند النجاشي ثأرًا بِمَن قُتل منكم ببدر، فاجمعوا مالًا، وأهدوه إلى النجاشي، لعله يدفع إليكم مَن عِندَه من قومكم، ولينتدب لذلك رجلان مِن ذوي آرائكم. فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن أبي مُعَيط مع الهدايا: الأُدُم (١) وغير ذلك، فركبا البحر، وأتيا الحبشة، فلما دخلا على النجاشي سجدا له، وسلَّما عليه، وقالا له: إنّ قومنا لك ناصحون شاكرون، ولصلاحك مُحِبُّون، وإنّهم بعثونا إليك لِنُحَذِّرك هؤلاء القوم الذين قدموا عليك؛ لأنهم قوم رجل كذّاب، خرج فينا يزعم أنّه رسول الله، ولم يتابعه أحدٌ مِنّا إلا السفهاء، وإنّا كُنّا قد ضَيَّقنا عليهم الأمرَ، وألجأناهم إلى شِعْبٍ (٢) بأرضنا، لا يدخل عليهم أحد، ولا يخرج منهم أحد، قد قتلهم الجوع والعطش، فلمّا اشتد عليهم الأمرُ بَعَثَ إليك ابنَ عمه لِيُفْسِد عليك دينك وملكك ورعيتك، فاحذرهم، وادفعهم إلينا؛ لِنَكْفِيكَهُم. قالوا: وآيةُ ذلك أنّهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك، ولا يُحَيُّونك بالتحية التي يُحَيِّيك بها الناسُ؛ رغبةً عن دينِك وسُنَّتِك. قال: فدعاهم النجاشيُّ، فلما حضروا صاح جعفر بالباب: يستأذن عليك حِزبُ الله. فقال النجاشيُّ: مُرُوا هذا الصّائِح فلْيُعِدْ كلامه. ففعل جعفر، فقال النجاشي: نعم، فليدخلوا بأمان الله وذِمَّته. فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه، فقال: ألا تسمع كيف يَرطُنُون (٣) بحزب الله، وما أجابهم به النجاشي. فساءهما ذلك، ثم دخلوا عليه، ولم يسجدوا له، فقال عمرو بن العاص: ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك؟ فقال لهم النجاشي: ما يمنعكم أن تسجدوا لي، وتُحَيُّوني بالتَّحِيَّة التي يُحَيِّيني بها مَن أتاني مِن الآفاق؟ قالوا: نسجد لله الذي خلقك ومَلَكَك، وإنّما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان، فبعث الله فينا نبيًّا صادِقًا، وأمرنا بالتحية التي رضيها الله لنا، وهي السلام، تَحِيَّةُ أهل الجنة. فعرف النَّجاشيُّ أنّ ذلك حق، وأنّه في التوراة


(١) الأُدُم جمع أدِيم، وهو الجلد. لسان العرب (أدم).
(٢) الشِّعْب: ما انفرج بين جبلين. لسان العرب (شعب).
(٣) أي: يُكَنُّون، ولم يُصَرِّحوا بأسمائهم. لسان العرب (رطن).

<<  <  ج: ص:  >  >>