للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والإنجيل. قال: أيُّكم الهاتِفُ: يستأذن عليك حزب الله؟ قال جعفر: أنا. قال: فتكَلَّم. قال: إنّك مَلِك مِن ملوك أهل الأرض، ومِن أهل الكتاب، ولا يصلح عندك كثرة الكلام، ولا الظلم، وأنا أُحِبُّ أن أُجِيب عن أصحابي، فمُرْ هذين الرجلين فليتكلم أحدُهما ولْيُنصِت الآخر، فتسمع محاورتنا. فقال عمرو لجعفر: تكلَّم. فقال جعفر للنجاشي: سَلْ هذا الرجل: أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كُنّا عبيدًا أبَقْنا مِن أربابنا فارددنا إليهم. فقال النجاشي: أعبيد هم أم أحرار؟ فقال: بل أحرار كِرام؟ فقال النجاشيُّ: نَجَوْا مِن العبودية. قال جعفر: سلهما: هل أهرقنا دمًا بغير حق فيُقْتَصُّ مِنّا؟ فقال عمرو: لا، ولا قطرة. قال جعفر: سلهما: هل أخذنا أموال الناس بغير حقِّ فعلينا قضاؤها؟ قال النجاشي: يا عمرو، إن كان قنطارًا فعَلَيَّ قضاؤه. فقال عمرو: لا، ولا قيراطًا. قال النجاشي: فما تطلبون منهم؟ قال عمرو: كُنّا وهم على دين واحد وأمر واحد؛ على دين آبائنا، فتركوا ذلك الدين، واتَّبَعُوا غيره، ولزمناه نحن، فبَعَثَنا إليك قومُهم لتدفعهم إلينا. فقال النجاشي: ماهذا الدين الذي كنتم عليه، والدين الذي اتبعتموه؟ اصْدُقْنِي. قال جعفر: أمّا الدين الذي كنا عليه وتركناه فهو دين الشيطان وأَمْرُه، كُنّا نكفر بالله - عز وجل -، ونعبد الحجارة، وأما الدِّين الذي تَحَوَّلنا إليه فدينُ الله الإسلام، جاءنا به من الله رسولٌ وكتابٌ مثل كتاب ابن مريم موافقًا له. فقال النجاشي: يا جعفر، لقد تكلمت بأمر عظيم، فعلى رِسْلِك (١). ثم أمر النجاشي فضرب بالنّاقُوس (٢)، فاجتمع إليه كل قِسِّيسٍ وراهب، فلمّا اجتمعوا عنده قال النجاشي: أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، هل تجدون بين عيسى وبين القيامة نبيًّا مُرسَلًا؟ فقالوا: اللهم نعم، قد بشرَنا به عيسى، وقال: مَن آمن به فقد آمَن بي، ومَن كفر به فقد كفر بي. فقال النجاشي لجعفر: ماذا يقول لكم هذا الرجل، ويأمركم به، وما ينهاكم عنه؟ قال: يقرأ علينا كتاب الله، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويأمر بحسن الجوار، وصِلة الرحم، وبر اليتيم، ويأمرنا أن نعبد الله وحده لا شريك له. فقال: اقرأ علينا شيئًا مِمّا كان يقرأ عليكم، فقرأ عليهم سورة العنكبوت والروم، ففاضت عينا النجاشي وأصحابه مِن الدمع، وقالوا: يا جعفر، زِدْنا مِن


(١) أي: اتَّئِدْ ولا تَعْجَل. لسان العرب (رسل).
(٢) النّاقُوس: مضراب النصارى الذي يضربونه لأوقات الصلاة. لسان العرب (نقس).

<<  <  ج: ص:  >  >>