للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابن أبي ربيعة وعكرمة ابن أبي جهل وصفوان بن أمية في رجال من قريش مِمَّن أُصيب آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر، فكلَّموا أبا سفيان ابن حرب ومَن كانت له في تلك العِيرِ مِن قريش تجارة، فقالوا: يا معشر قريش، إنّ محمدًا قد وتَرَكُمْ (١)، وقتل خياركم، فأعِينُوننا بهذا المال على حربه، لعلَّنا نُدرِك منه ثأرًا بمَن أصاب. ففعلوا، فاجتمعت قريش لحرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخرجت بحَدِّها وحديدها، وخرجوا معهم بالظُّعُنِ (٢) التماسَ الحَفِيظَةِ (٣)، ولِئَلّا يَفِرُّوا، وخرج أبو سفيان وهو قائد الناس، فأقبلوا حتى نزلوا بِعَيْنَيْنِ: جبل ببطن السَّبْخَةِ من قناةٍ على شفير الوادي مِمّا يلي المدينة. فلمّا سمع بهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون -بالمشركين- قد نزلوا حيث نزلوا؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنِّي رأيتُ بقرًا تُنحَر، وأريت في ذُبابِ سيفي ثُلْمًا، ورأيت أنِّي أدْخَلْتُ يدي في دِرْعٍ حصينة، فأوَّلتُها المدينة، فإن رأيتُم أن تُقِيموا بالمدينةِ وتَدَعُوهم حيث نزلوا، فإن أقاموا أقاموا بشرِّ مقام، وإن هم دخلوا علينا قاتلناهم فيها». ونزلت قريش منزلها أحدًا يوم الأربعاء، فأقاموا ذلك اليوم ويوم الخميس ويوم الجمعة، وراح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صلّى الجمعة، فأصبح بالشِّعْبِ مِن أُحُد، فالتَقَوْا يوم السبت للنصف من شوال سنة ثلاث، وكان رأيُ عبد الله بن أُبيٍّ مع رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى رأيه في ذلك؛ أن لا يخرج إليهم، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكره الخروج من المدينة، فقال رجال من المسلمين -مِمَّن أكرمَ اللهُ بالشهادة يوم أحد وغيرهم مِمَّن كان فاته يوم بدر وحضوره-: يا رسول الله، اخرج بنا إلى أعدائنا؛ لا يرون أنا جَبُنّا عنهم وضَعُفْنا. فقال عبد الله بن أُبَيٍّ: يا رسول الله، أقِم بالمدينة، فلا تخرج إليهم، فواللهِ، ما خرجنا منها إلى عدُوٍّ لنا قطُّ إلا أصاب مِنّا، ولا دخلها علينا إلا أصبنا منهم، فدعهم، يا رسول الله، فإن أقاموا أقاموا بِشَرٍّ، وإن دخلوا قاتلهم النساءُ والرجالُ والصبيانُ بالحجارة من فوقهم، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاؤوا. فلم يَزَلِ الناسُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين كان مِن أمرهم حبُّ لقاء القوم؛ حتى دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلبس لَأْمَتَه، وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة، ثم خرج عليهم وقد ندِم الناسُ، وقالوا: اسْتَكْرَهْنا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن لنا ذلك، فإن شئت فاقعُدْ. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما ينبغي لنبيٍّ إذا لبس لَأْمَتَهُ


(١) وتركم: أي: نقصكم، ونال منكم. النهاية (وتر).
(٢) الظعن: النساء. النهاية (ظعن).
(٣) الحفيظة: الحميّة والغضب على المحارم، ومنعها من العدو. النهاية (حفظ).

<<  <  ج: ص:  >  >>