ثم رجَّح مستندًا إلى ظاهر لفظ الآية القول الأول، وبيَّن علَّة ذلك، فقال: «لأن الله -تعالى ذِكْره- إنما مدح الذين وصفهم بِقِيلِهم: {حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ} لمّا قيل لهم: {إنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فاخْشَوْهُمْ}، بعد الذي قد كان نالهم مِن القروح والكُلُوم، بقوله: {الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ والرَّسُولِ مِن بَعْدِ ما أصابَهُمُ القَرْحُ} [آل عمران: ١٧٢]، ولم تكن هذه الصفة إلا صفة مَن تَبِع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مِن جرْحى أصحابه بأُحُدٍ إلى حمراء الأسد». ثم انتقد القول الثاني، فقال: «فأما الذين خرجوا معه إلى غزوة بدرٍ الصغرى، فإنه لم يكن فيهم جريح، إلا جريحٌ قد تقادم اندمال جُرْحه، وبَرَأَ كَلْمُه، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما خرج إلى بدرٍ الخَرْجَة الثانية إليها لموعدِ أبي سفيان الذي كان واعَده اللقاء بها بعد سنةٍ مِن غزوة أُحدٍ في قول بعضٍ، وفي قول آخرين: خرج إليها بعدما مضى عشرة أشهر من أُحُد، في شعبان سنة أربع مِن الهجرة، وذلك أن وقعة أُحُد كانت في النصف مِن شوال مِن سنة ثلاث، وخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - لغزوة بدرٍ الصغرى إليها في شعبان مِن سنة أربع، ولم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - بَيْن ذلك وقعةٌ مع المشركين كانت بينهم فيها حرب جُرِح فيها أصحابه، ولكن قد كان قُتِل في وقعة الرَّجيع مِن أصحابه جماعةٌ لم يشهَدْ أحدٌ منهم غزوة بدرٍ الصغرى، وكانت وقعة الرَّجيع فيما بَيْن وقعة أحد، وغزوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بدرًا الصغرى». وانتقد ابنُ عطية (٢/ ٤٢٤) مجاهدًا، فقال: «وشذ مجاهد فقال: إن هذه الآية مِن قوله: {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ} إلى قوله: {فَضْلٍ عَظِيمٍ} إنما نزلت في خروج النبي - عليه السلام - إلى بدر الصغرى». ولم يذكر مستندًا، ثم رجَّح قائلًا: «والصواب ما قاله الجمهور: إن الآية نزلت في غزوة حمراء الأسد». ووافقه ابنُ كثير (٣/ ٢٧٠).