ورَجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٣٩٤ - ٣٩٥) أنّ الآية تصلح لجميع ما ذُكِر؛ استنادًا إلى دلالة العموم، والسياق، فقال: «والصوابُ مِن القول في تأويل ذلك عندنا: أنّ الله -عزَّ ذِكْرُه- عمَّ بقوله: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، فلم يَخْصُصْ سفيهًا دون سفيه؛ فغيرُ جائز لأحدٍ أن يُؤْتِي سفيهًا مالَه، صبيًا صغيرًا كان أو رجلًا كبيرًا، ذكرًا كان أو أنثى. والسفيهُ الذي لا يجوز لوليه أن يؤتِيَه مالَه هو المستحِقُّ الحجرَ بتضييعه مالَه وفسادِه وإفسادِه وسوءِ تدبيره ذلك. وإنّما قلنا ما قلنا مِن أنّ المعنيَّ بقوله: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} هو مَن وصفنا دون غيره؛ لأنّ الله -عزَّ ذِكْرُه- قال في الآية التي تتلوها: {وابْتَلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم}، فأمر أولياءَ اليتامى بدفع أموالهم إليهم إذا بلغوا النكاحَ وأُونِس منهم الرشد، وقد يدخل في» اليتامى «الذكورُ والإناث، فلم يخصص بالأمر بدفع ما لَهُم من الأموال الذكورَ دون الإناث، ولا الإناث دون الذكور. وإذْ كان ذلك كذلك فمعلومٌ أنّ الذين أُمِر أولياؤهم بدفعهم أموالهم إليهم، وأُجِيز للمسلمين مبايعتهم ومعاملتهم، غيرُ الذين أُمِر أولياؤهم بمنعهم أموالهم، وحُظِر على المسلمين مداينتهم ومعاملتهم. فإذْ كان ذلك كذلك فبيِّنٌ أنّ السفهاء الذين نهى الله المؤمنين أن يؤتوهم أموالهم هم المستحقون الحجرَ والمستوجبون أن يُولى عليهم أموالهم، وهم مَن وصفنا صفتهم قبل، وأنّ مَن عدا ذلك فغيرُ سفيه؛ لأنّ الحجر لا يستحقه مَن قد بلغ وأُونِس رشده». وظاهر كلام ابن القيم (١/ ٢٦٦) أنه يذهب إلى القول الأول؛ وهو قول ابن عباس من طريق عليّ، وقتادة، والحكم، والسديّ، وغيرهم، حيث قال: «السفهاء هم النساء والصبيان، وقد جعل الله سبحانه الأزواج قوّامين عليهم، كما جعل ولي الطفل قوّامًا عليه، والقوّام على غيره أمير عليه». وانتَقَدَ ابنُ جرير (٦/ ٣٩٥) قولَ مَن خصَّها بالنساء استنادًا إلى اللغة، وهو قول سليمان بن جعفر، ومجاهد من طريق حميد بن قيس، وابن أبي نجيح، ومرويّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، فقال: «أما قول مَن قال: عنى بالسفهاءِ النساءَ خاصَّة. فإنّه جعل اللغة على غير وجهها؛ وذلك أنّ العرب لا تكاد تجمع» فعيلًا «على» فُعَلاء «إلا في جمع الذكور، أو الذكور والإناث، وأمّا إذا أرادوا جمعَ الإناث خاصة لا ذكران معهم جمعوه على:» فعائل «و» فعِيلات «، مثل: غريبة تجمع على غرائب وغريبات، فأما الغُرَباء فجمع غريب». وبنحوه قال ابنُ عطية (٢/ ٤٧٠). [١٥٢٤] أفادت الآثارُ أيضًا الاختلافَ في المراد بالأموال في قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} على قولين: أحدهما: المراد بها: مال المخاطَبين. وهذا قول ابن عباس، وأبي موسى الأشعريِّ، والحسن، وقتادة. والآخر: المراد بها: أموال السفهاء، وأضافها للمخاطبين لأنّهم قُوّامُها ومُدَبِّرُوها. وهذا قول سعيد بن جبير، والسديّ. ورَجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٣٩٦ - ٣٩٧) أنّ الآية تشمل جميع ما ذُكِرَ استنادًا إلى اللغة، ودلالة العموم، فقال: «وأَوْلى الأقوال بتأويل ذلك أن يُقال: إنّ الله - عز وجل - نهى المؤمنين أن يُؤْتُوا السفهاءَ أموالَهم، وقد يدخل في قوله: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} أموالُ المَنهِيِّين عن أن يؤتوهم ذلك وأموالُ السفهاء؛ لأنّ قوله: {أموالكم} غير مخصوص منها بعضُ الأموال دون بعض. ولا تمنع العربُ أن تخاطب قومًا خِطابًا، فيخرج الكلام بعضه خبر عنهم، وبعضه عن غَيَبٍ، وذلك نحو أن يقولوا: أكلتم يا فلان أموالكم بالباطل، فيخاطب الواحد خطاب الجمع، بمعنى: أنك وأصحابك وقومك أكلتم أموالكم. فكذلك قوله: {ولا تؤتوا السفهاء} معناه: ولا تؤتوا أيها الناس سفهاءكم أموالكم التي بعضها لكم وبعضها لهم، فيضيعوها. وإذ كان ذلك كذلك، وكان الله - عز وجل - قد عمَّ بالنهي عن إيتاء السفهاء الأموال كلَّها، ولم يخصص منها شيئا دون شيء؛ كان بيِّنًا بذلك أنّ معنى قوله: {التي جعل الله لكم قيامًا} إنّما هو: التي جعل الله لكم ولهم قيامًا. ولكن السفهاء دخل ذكرهم في ذكر المخاطبين بقوله: {لكم}». وإلى ذلك ذَهَبَ ابنُ تيمية (٢/ ١٩٩)، مستندًا لظاهر الآية، حيث قال: «الآية تدلُّ على النَوْعَيْن كليهما، فقد نهى اللهُ أن يجعل السفيه متصرفًا لنفسه، أو لغيره بالوكالة، أو الولاية. وصرفُ المالِ فيما لا ينفع في الدين ولا الدنيا من أعظم السَّفَه؛ فيكون ذلك منهِيًّا عنه في الشرع».