[١٥٣١] أفادت الآثارُ الاختلافَ في حدّ المعروفِ المذكور في الآية على أقوال: أولها: أن يأكل مِن طعام اليتيم عند الحاجة إليه على وجه الاستقراض، ثم يقضيه. وهذا قول عمر بن الخطاب، وابن عباس، وجمهور التابعين. وثانيها: أن يأكل من طعام اليتيم بأطراف أصابعه، ولا يكتسي، ولا قضاء عليه فيما أكل. وهذا قول السديّ، وعكرمة، وعطاء، وقول لابن عباس من طريق السديّ. وثالثها: أن يأكل ما يسد جوعَه، ويلبس ما يواري عورتَه، ولا قضاء عليه. وهذا قول إبراهيم النخعيّ، ومكحول. ورابعها: أن يأكل من ثمره، ويشرب من ألبان ماشيته؛ بقيامه على ذلك، وليس له أن يأخذ ما سوى ذلك من ذهب وفضَّة إلا على وجه القَرْض. وهذا قول أبي العالية، والحسن، وقتادة، والضحاك، والشعبيّ، وقول لابن عباس من طريق القاسم بن محمد. وخامسها: له أن يأكل من جميع المال إذا كان يلي ذلك، وإن أتى على المال، ولا قضاء عليه. وهذا قول عائشة، وابن زيد، وقول ثان لعمر من طريق القاسم بن محمد، وعكرمة والحسن من طريق يزيد النحويّ. ورَجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٤٢٦) القولَ الأولَ استنادًا إلى الدلالة العقلية، والإجماع، وعلَّلَ ذلك بإجماع الجميع على «أنّ والي اليتيمِ لا يملك من مال يتيمه إلا القيام بمصلحته»، وذلك يقتضي ضمانَه ما يستهلكه مِن مال اليتيم، كما «يضمن ما يستهلكه من مال غيره -إن تعدّى- إجماعًا». غير أنّ لوالي اليتيم الاستقراضَ منه عند الحاجة إليه، كما له الاستقراض عليه عند الحاجة؛ إذ كان قيِّمًا بما فيه مصلحته. وانتَقَدَ قولَ مَن قال: إنما عنى بالمعروف في هذا الموضع أكْلَ والي اليتيم من مال اليتيم؛ لقيامه عليه، على وجه الاعتياض على عمله وسعيه له. بأنه قولٌ لا معنى له؛ لدلالة العقل، لأنه يجوز لوليِّ اليتيم ذلك دون تقيِّدٌ بغنى الوليِّ أو فقره؛ فله أن يؤاجر نفسه أو غيره بأجرة معلومة للقيام بأمور اليتيم عند الحاجة. وإنما أباحت الآية للوليِّ أن يأكل من مال اليتيم في حال فقره. فالمعنى الذي يجوز في كل حال غير المعنى الذي يجوز في حال دون حال.