للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦٧٦٥ - قال مقاتل بن سليمان: {إنما التوبة على الله} يعني: التجاوز على الله {للذين يعملون السوء بجهالة}، فكُلُّ ذنبٍ يعمله المؤمنُ فهو جَهْلٌ منه (١). (ز)

١٦٧٦٦ - عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهب- في قول الله: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب}، قال: الجهالةُ؛ كُلُّ امرئٍ عَمِل شيئًا من معاصي الله فهو جاهِلٌ أبدًا، حتى ينزع عنها. وقرأ: {هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون} [يوسف: ٨٩]، وقرأ: {وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين} [يوسف: ٣٣]، قال: مَن عصى الله فهو جاهِلٌ، حتى ينزع عن معصيته (٢) [١٥٦٤]. (ز)


[١٥٦٤] أفادت الآثارُ الاختلافَ في معنى قوله تعالى: {بجهالة} على ثلاثة أقوال: أولها: أنّ عملَ السوء هو الجهالة، فكلُّ ذنب أصابه الإنسان فهو بجهالة، وكلُّ عاصٍ عصى فهو بجهالة. وهذا قول أبي العالية، وقتادة، والسدي، وعطاء، وابن زيد، وابن عباس من طريق أبي صالح، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح. وثانيها: أنّ الجهالةَ العمدُ. وهذا قول الضحاك، ومجاهد. وثالثها: الجهالةُ هي الدنيا، أي: الشّأنُ فيها ذلك. وهذا قول عكرمة.
ورَجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٥١٠ - ٥١١) القولَ الأولَ مستندًا إلى اللغة، وقال: «ذلك أنّه غير موجود في كلام العرب تسمية العامِد للشيء: الجاهل به. إلا أن يكون مَعْنِيًّا به أنّه جاهلٌ بقدر منفعته ومضرَّتِه، فيقال: هو به جاهل. على معنى جهله بمعنى نفعه وضُرّه. فأما إذا كان عالمًا بقدر مبلغ نفعه وضرّه، قاصدًا إليه؛ فغيرُ جائزٍ مِن أجل قصده إليه أن يقال: هو به جاهل. لأنّ الجاهل بالشيء هو الذي لا يعلمه ولا يعرفه عند التقدم عليه، أو يعلمه فيشبَّه فاعله -إذ كان خطًأ ما فعله- بالجاهل الذي يأتي الأمر وهو به جاهل فيُخطئ موضع الإصابة منه، فيقال: إنّه لجاهل به. وإن كان به عالِمًا؛ لإتيانه الأمر الذي لا يأتي مثله إلا أهل الجهل به. وكذلك معنى قوله: {يعملون السوء بجهالة}، قيل فيهم: يعملون السوء بجهالة. وإن أتوه على علم منهم بمبلغ عقاب الله أهله، عامدين إتيانه، مع معرفتهم بأنّه عليهم حرام؛ لأن فعلهم ذلك كان من الأفعال التي لا يأتي مثلَه إلا مَن جَهِل عظيمَ عقاب الله عليه أهلَه في عاجل الدنيا وآجل الآخرة، فقيل لمن أتاه وهو به عالم: أتاه بجهالة. بمعنى أنّه فعل فِعل الجُهّال به، لا أنه كان جاهِلًا».

<<  <  ج: ص:  >  >>