ورَجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٥١٠ - ٥١١) القولَ الأولَ مستندًا إلى اللغة، وقال: «ذلك أنّه غير موجود في كلام العرب تسمية العامِد للشيء: الجاهل به. إلا أن يكون مَعْنِيًّا به أنّه جاهلٌ بقدر منفعته ومضرَّتِه، فيقال: هو به جاهل. على معنى جهله بمعنى نفعه وضُرّه. فأما إذا كان عالمًا بقدر مبلغ نفعه وضرّه، قاصدًا إليه؛ فغيرُ جائزٍ مِن أجل قصده إليه أن يقال: هو به جاهل. لأنّ الجاهل بالشيء هو الذي لا يعلمه ولا يعرفه عند التقدم عليه، أو يعلمه فيشبَّه فاعله -إذ كان خطًأ ما فعله- بالجاهل الذي يأتي الأمر وهو به جاهل فيُخطئ موضع الإصابة منه، فيقال: إنّه لجاهل به. وإن كان به عالِمًا؛ لإتيانه الأمر الذي لا يأتي مثله إلا أهل الجهل به. وكذلك معنى قوله: {يعملون السوء بجهالة}، قيل فيهم: يعملون السوء بجهالة. وإن أتوه على علم منهم بمبلغ عقاب الله أهله، عامدين إتيانه، مع معرفتهم بأنّه عليهم حرام؛ لأن فعلهم ذلك كان من الأفعال التي لا يأتي مثلَه إلا مَن جَهِل عظيمَ عقاب الله عليه أهلَه في عاجل الدنيا وآجل الآخرة، فقيل لمن أتاه وهو به عالم: أتاه بجهالة. بمعنى أنّه فعل فِعل الجُهّال به، لا أنه كان جاهِلًا».