ورجَّحَ ابنُ كثير (٣/ ٤٣٤) القولَ الثاني استنادًا إلى السياق، فقال: «الأظهر -والله أعلم- أنّ المراد بالإحصان هاهنا: التزويج؛ لأن سياق الآية يدل عليه، حيث يقول?: {ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم} والله أعلم. والآية الكريمة سياقها كلها في الفتيات المؤمنات، فتعين أنّ المراد بقوله: {فإذا أحصن} أي: تزوجن». ثم أورد على كلٍّ من القولين إشكالًا على مذهب الجمهور، فقال: «يقولون: إنّ الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة، سواء كانت مسلمة أو كافرة، مزوجة أو بكرًا. مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لا حدَّ على غير المحصنة ممن زنى من الإماء. وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك». وذكر أجوبة يطول ذكرها هنا، فلتراجع. وانتَقَدَ ابنُ جرير (٦/ ٦٠٧ - ٦٠٨) قولَ مَن قصرها على التزويج؛ لأنها في سياق الفتيات المؤمنات، وبيّنَ أنّ الآية تحتمل التأويلين استنادًا إلى صحته لغةً وعقلًا، فقال: «غير مستحيل في الكلام أن يكون معنى ذلك: ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، فإذا هنَّ آمنَّ فإن أتين بفاحشة فعليهن نصفُ ما على المحصنات من العذاب. فيكون الخبرُ مبتدأ عما يجب عليهنّ من الحدّ إذا أتين بفاحشة بعد إيمانهن، بعد البيان عما لا يجوز لناكحهن من المؤمنين من نكاحهن، وعمن يجوز نكاحه له منهن. فإذ كان ذلك غير مستحيل في الكلام، فغيرُ جائز لأحد صَرْف معناه إلى أنه التزويج دون الإسلام، من أجل ما تقدّم من وصف الله إيّاهن بالإيمان».