ورجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٦٢٨) القولَ الأولَ، وانتَقَدَ القولَ الثاني استنادًا إلى الإجماع، وأحوال النزول، ودلالة العقل، فقال: «أولى هذين القولين بالصواب في ذلك قولُ السدي؛ وذلك أنّ الله -تعالى ذِكْرُه- حرّم أكل أموالنا بيننا بالباطل، ولا خلاف بين المسلمين أنّ أكل ذلك حرامٌ علينا، فإنّ الله لم يُحِلَّ قطُّ أكلَ الأموال بالباطل. وإذْ كان ذلك كذلك فلا معنى لقول مَن قال: كان ذلك نهيًا عن أكل الرجل طعامَ أخيه قرًى على وجه ما أذن له، ثم نُسخ ذلك؛ لنقل علماء الأمّة جميعًا وجُهّالها أنّ قِرى الضيف وإطعام الطعام كان من حميد أفعال أهل الشرك والإسلام التي حَمِدَ اللهُ أهلها عليها، وندبهم إليها، وأنّ الله لم يُحَرِّم ذلك في عصر من العصور، بل نَدَب الله عباده وحثهم عليه. وإذ كان ذلك كذلك فهو من معنى الأكل بالباطل خارجٌ، ومِن أن يكون ناسخًا أو منسوخًا بمعزل؛ لأنّ النسخَ إنما يكون لمنسوخ، ولم يثبت النهي عنه، فيجوز أن يكون منسوخًا بالإباحة. وإذ كان ذلك كذلك صحَّ القول الذي قلناه: مِن أنّ الباطل الذي نهى الله عن أكل الأموال به هو ما وصفنا مما حرمه على عباده في تنزيله، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وشذّ ما خالفه».