للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٧٥٦٢ - قال محمد ابن شهاب الزهري: وقال تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}. فنسخ هذا، فقال: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا} [النور: ٦١] (١). (ز)

١٧٥٦٣ - عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- في الآية، قال: أمّا أكلهم أموالَهم بينهم بالباطل فالرِّبا، والقمار، والنَّجَش، والظُّلم، {إلا أن تكون تجارة} فليربح في الدرهم ألفًا إن استطاع (٢). (٤/ ٣٤٧)

١٧٥٦٤ - عن زيد بن أسلم -من طريق القاسم بن عبد الله بن عمر- أنّه قال: وقال في سورة النساء: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}، كان الرجل يتحرَّج أن يأكل عند أحد من الناس، فنسخ ذلك بالآية التي في سورة النور [٦١]: {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا} (٣). (ز)

١٧٥٦٥ - قال مقاتل بن سليمان: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}، يقول: لا تأكلوها إلا بحقِّها، وهو الرجل يجحد حقَّ أخيه المسلم، أو يقتطعه بيمينه (٤) [١٦٣٣]. (ز)


[١٦٣٣] أفادت الآثارُ الاختلافَ في تأويل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} على قولين: أحدهما: لا يأكل بعضكم أموالَ بعض بما حرّمَ عليه، من الربا، والقمار، وغير ذلك من الأمور التي نهاكم الله عنها. وهذا قول السدي، وابن عباس من طريق عكرمة. والآخر: أنه نهي عن أن يأكل بعضُهم طعامَ بعض إلا بشراء، وكان القِرى محظورًا بهذه الآية، حتى نسخ ذلك قولُه تعالى: {ولا عَلى أنْفُسِكُمْ أنْ تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ} [النور: ٦١]. وهذا قول الحسن، وعكرمة.
ورجَّحَ ابنُ جرير (٦/ ٦٢٨) القولَ الأولَ، وانتَقَدَ القولَ الثاني استنادًا إلى الإجماع، وأحوال النزول، ودلالة العقل، فقال: «أولى هذين القولين بالصواب في ذلك قولُ السدي؛ وذلك أنّ الله -تعالى ذِكْرُه- حرّم أكل أموالنا بيننا بالباطل، ولا خلاف بين المسلمين أنّ أكل ذلك حرامٌ علينا، فإنّ الله لم يُحِلَّ قطُّ أكلَ الأموال بالباطل. وإذْ كان ذلك كذلك فلا معنى لقول مَن قال: كان ذلك نهيًا عن أكل الرجل طعامَ أخيه قرًى على وجه ما أذن له، ثم نُسخ ذلك؛ لنقل علماء الأمّة جميعًا وجُهّالها أنّ قِرى الضيف وإطعام الطعام كان من حميد أفعال أهل الشرك والإسلام التي حَمِدَ اللهُ أهلها عليها، وندبهم إليها، وأنّ الله لم يُحَرِّم ذلك في عصر من العصور، بل نَدَب الله عباده وحثهم عليه. وإذ كان ذلك كذلك فهو من معنى الأكل بالباطل خارجٌ، ومِن أن يكون ناسخًا أو منسوخًا بمعزل؛ لأنّ النسخَ إنما يكون لمنسوخ، ولم يثبت النهي عنه، فيجوز أن يكون منسوخًا بالإباحة. وإذ كان ذلك كذلك صحَّ القول الذي قلناه: مِن أنّ الباطل الذي نهى الله عن أكل الأموال به هو ما وصفنا مما حرمه على عباده في تنزيله، أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وشذّ ما خالفه».

<<  <  ج: ص:  >  >>