وذَهَبَ ابنُ جرير (٦/ ٧٢٦) استنادًا إلى الإجماع، والعموم، والدلالة العقلية إلى أنّ الآية تحتمل القولين: الثاني، والثالث. وانتَقَد (٦/ ٧٢٨) مَن قال بصِحَّةِ تفريقِ الحكميَن بينهما إن رأيا ذلك، مستندًا إلى دلالة القرآن على عدم جواز ذلك إلا برضا الزوج، وعدم جواز الحكم بأخذ مال المرأةِ إلا برضاها، ولا دليل على خلاف ذلك من أصلٍ أو قياسٍ. وذَهَبَ ابنُ القيم (١/ ٢٧٥) إلى الأول. وانتَقَدَ غيرَه من الأقوال استنادًا إلى ظاهر الآية، واللغة، والدلالة العقلية، فقال: «والعجبُ كل العجب ممن يقول: هما وكيلان لا حاكمان. والله تعالى قد نصبهما حكمين، وجعل نصبهما إلى غير الزوجين، ولو كانا وكيلين لقال: فليبعث وكيلًا مِن أهله، ولتبعث وكيلًا من أهلها. وأيضًا فلو كانا وكيلين لم يختصّا بأن يكونا من الأهل. وأيضًا فإنه جعل الحكم إليهما، فقال: {إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما}، والوكيلان لا إرادة لهما، إنما يتصرفان بإرادة موكليهما. وأيضًا فالحكم من له ولاية الحكم والإلزام، وليس للوكيل شيء من ذلك. وأيضًا فإنّ الحكم أبلغ من حاكم؛ لأنه صفة مشبهة باسم الفاعل دالة على الثبوت، ولا خلاف بين أهل العربية في ذلك، فإذا كان اسم الحاكم لا يصدق على الوكيل المحض، فكيف بما هو أبلغ منه؟! وأيضًا فإنه سبحانه خاطب بذلك غير الزوجين، وكيف يصح أن يوكل عن الرجل والمرأة غيرهما؟! وهذا يُحْوِج إلى تقدير الآية هكذا: {وإن خفتم شقاق بينهما} فمروهما أن يوكلا وكيلين: وكيلًا من أهله ووكيلًا من أهلها، ومعلوم بُعْدُ لفظ الآية ومعناها عن هذا التقدير، وأنها لا تدل عليه بوجه، بل هي دالة على خلافه، وهذا بحمد الله واضح. وبعث عثمان بن عفان عبد الله بن عباس ومعاوية حكمين بين عقيل بن أبي طالب وامرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، فقيل لهما: إن رأيتما أن تفرقا فرقتما. وصحَّ عن علي بن أبي طالب أنه قال للحكمين بين الزوجين: عليكما إن رأيتما أن تفرقا فرقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتما. فهذا عثمان، وعليٌّ، وابن عباس، ومعاوية جعلوا الحكم إلى الحكمين، ولا يعرف لهم من الصحابة مخالف، وإنما يُعرَف الخلاف بين التابعين فمَن بعدهم».