للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المنثور" الذي هو أوسع كتاب للمتقدمين في تفسير السلف مما وصلنا.

لكن الناظر في كتابه الدر المنثور يرى أن آثار أغلب هؤلاء العشرة قليلة جدًّا مقابل ما يُروى عن ابن عباس ثم ابن مسعود ثم علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنهم- وهم كذلك في الموسوعة كما مر معنا- فيا ترى ماذا قصد السيوطي بقوله: "اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة" مع وقوفه على قلة ما رُوي عن أكثرهم في كتابيه السابقين؟

لا أظن أن السيوطي غاب عنه ذلك، بل صرَّح بشيء من ذلك بعد تعداد العشرة فقال: "أما الخلفاء فأكثر من روي عنه منهم علي بن أبي طالب، والرواية عن الثلاثة نزرة جدًّا، وكان السبب في ذلك تقدم وفاتهم، كما أن ذلك هو السبب في قلة رواية أبي بكر -رضي اللَّه عنه- للحديث، ولا أحفظ عن أبي بكر -رضي اللَّه عنه- في التفسير إِلَّا آثارًا قليلة جدًّا لا تكاد تجاوز العشرة"، وهذا كلام صريح في هذه المسألة، مما يدل أن السيوطي لم يُرِد بمسألة الاشتهار بالتفسير كثرة المروي عنهم، الذي من لازمه تصديهم للتفسير وإلقائه، ولو حصل ذلك لرُوي عنهم، لما لهم من المكانة العظيمة، والمرتبة الجليلة في الأمة.

وهذا يدعونا إلى إعادة النظر في مراد السيوطي بمصطلح الاشتهار بالتفسير، فقد يكون مراده كونهم أعلم الأمة بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بالتفسير؛ "لما شاهدوه من القرآن، والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح" (١)، حيث كانوا يتلقون القرآن غضًّا طريًّا كما أُنزل، ولا يتجاوزون آياته المنزلة حتى يعلموا حدودها وفروضها ويعملوا بها، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي: "حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان، وعبد اللَّه بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا" (٢). فهذا يدل على علمهم بكل ما نزل من القرآن إِلَّا ما أشكل عليهم فإنهم يرجعون فيه إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومن ثَمَّ فهم أعلم الأمة بما نزل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.


= كتابه الذي بين أيدينا "الدر المنثور في التفسير بالمأثور"، وهو يعدّ هذين الكتابين -وغيرهما- مما تفرد فيهما! نظرًا لما يحتاج إليه من سعة النظر وكثرة الاطلاع وملازمة التعب والكد، على حد قوله في كتابه: "التحدث بنعمة اللَّه" ص ١٠٥.
(١) مقدمة في أصول التفسير، لابن تيمية ص ٤٠.
(٢) مقدمة في أصول التفسير، لابن تيمية ص ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>