للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا يُظِلَّها سقفُ بيت حتى تراه، فأقبل أبو جهل والحارث حتى قدما المدينة، فأخبرا عيّاشًا بما لَقِيَت أُمُّه، وسألاه أن يرجع معهما فتنظر إليه، ولا يمنعاه أن يرجع، وأعطياه مَوْثِقًا أن يُخَلِّيا سبيله بعد أن تراه أمُّه، فانطلق معهما، حتى إذا خرجا من المدينة عمدا إليه، فشدّاه وثاقًا، وجلداه نحوًا من مائة جلدة، وأعانهما على ذلك رجل من بني كنانة، فحلف عياش لَيَقْتُلَنَّ الكنانيَّ إن قدر عليه، فقدما به مكة، فلم يزل محبوسًا حتى فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة، فخرج عياش، فلقي الكنانيَّ وقد أسلم، وعياش لا يعلم بإسلام الكناني، فضربه عياش حتى قتله؛ فأنزل الله: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} يقول: وهو لا يعلم أنه مؤمن، {ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} فيتركوا الدية (١). (٤/ ٥٧٩)

١٩٤٣٧ - عن محمد بن السائب الكلبي: أنّ عياش بن أبي ربيعة المخزومي أسلم، وخاف أن يظهر إسلامه، فخرج هاربًا إلى المدينة، فقدمها، ثم أتى أُطُمًا (٢) من آطامها، فتحصن فيه، فجزعت أمه جزعًا شديدًا، وقالت لابنيها أبي جهل والحارث ابن هشام -وهما لأمه-: لا يُظِلُّني سقفُ بيت، ولا أذوق طعامًا ولا شرابًا حتى تأتوني به. فخرجا في طلبه، وخرج معهم الحارث بن زيد بن أبي أُنَيْسَة حتى أتوا المدينة، فأتوا عيّاشًا وهو في الأُطُم، فقالا له: انزل، فإنّ أمك لم يؤوها سقفُ بيتٍ بعدك، وقد حلفت لا تأكل طعامًا ولا شرابًا حتى ترجع إليها، ولك اللهُ علينا أن لا نُكْرِهك على شيء، ولا نحول بينك وبين دينك. فلما ذكرا له جزع أمه، وأوثقا له؛ نزل إليهم، فأخرجوه من المدينة، وأوثقوه بنِسَع (٣)، وجلده كل واحد منهم مائة جلدة، ثم قدموا به على أمه، فقالت: واللهِ، لا أُحِلُّك مِن وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به. ثم تركوه مُوثَقًا في الشمس، وأعطاهم بعضَ الذي أرادوا، فأتاه الحارث بن يزيد، وقال: يا عياش واللهِ، لَئِن كان الذي كُنتَ عليه هُدًى لقد تركت الهُدى، وإن كان ضلالة لقد كنت عليها. فغضب عياش من مقالته، وقال: واللهِ، لا ألقاك خاليًا إلا قتلتك. ثم إن عيّاشًا أسلم بعد ذلك، وهاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، ثم إن


(١) أخرجه ابن جرير ٧/ ٣٠٨، وابن المنذر (٢١٠٧).
(٢) الأطم: البناء المرتفع. النهاية (أطم).
(٣) النسع -بضم النون وإسكان السين، وبكسر النون وفتح السين-: سير مضفور يجعل زمامًا للبعير وغيره. النهاية (نسع).

<<  <  ج: ص:  >  >>