ورجَّح ابنُ جرير (٧/ ٥٠٢) القول الأول مستندًا إلى القرآن، فقال: «وذلك لدلالة الآية الأخرى على أنّ ذلك معناه، وهي قوله: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم} [الروم: ٣٠]». وجعل القول بالخصاء والوشم مندرجًا فيه، فقال: «وإذا كان ذلك معناه دخل في ذلك فِعْلُ كُلِّ ما نهى الله عنه من خصاء ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهى عن وشمه ووشره، وغير ذلك من المعاصي، ودخل فيه ترك كل ما أمر الله -جلَّ ثناؤه- به؛ لأن الشيطان لا شكَّ أنه يدعو إلى جميع معاصي الله، وينهى عن جميع طاعته، فذلك معنى أمرِه نصيبَه المفروضَ من عباد الله بتغيير ما خلق الله من دينه». وانتَقَد (٧/ ٥٠٢) تخصيص التغيير بالخصاء والوشم مستندًا إلى اللغة، ودلالة العقل، فقال: «فلا معنى لتوجيه مَن وجَّه قوله: {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} إلى أنه وعد الآمر بتغيير بعض ما نهى الله عنه دون بعض، أو بعض ما أمر به دون بعض. فإن كان الذي وجَّه معنى ذلك إلى الخصاء والوشم دون غيره إنّما فعل ذلك لأن معناه كان عنده أنه عنى تغيير الأجسام؛ فإنّ في قوله -جلَّ ثناؤه- إخبارًا عن قيل الشيطان: {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} ما يُنبِئُ أنّ معنى ذلك غير ما ذهب إليه؛ لأنّ تبتيك آذان الأنعام من تغيير خلق الله، الذي هو أجسام، وقد مضى الخبر عنه أنه وعْد الآمر بتغيير خلق الله من الأجسام مفسرًا، فلا وجه لإعادة الخبر عنه به مجملًا، إذ كان الفصيح في كلام العرب أن يترجَم عن المجمل من الكلام بالمفسر، وبالخاص عن العام، دون الترجمة عن المفسر بالمجمل، وبالعام عن الخاص، وتوجيه كتاب الله إلى الأفصح من الكلام أولى من توجيهه إلى غيره ما وجد إليه السبيل». ورجَّح ابنُ عطية (٣/ ٢٦ - ٢٧) العموم، فقال: «ومَلاك تفسير هذه الآية: أنّ كل تغيير ضارٌّ فهو في الآية، وكلَّ تغيير نافعٌ فهو مباح».