للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ومفهوم السلف بهذه الدلالة أساس للدلالة التاريخية السابقة؛ فإنه ما يشترك فيه أهل تلك القرون، ويجتمعون عليه، كما أنه صفة جمهورهم كذلك. ويزيد هذا المفهوم عن الدلالة التاريخية باشتماله من انتسب إلى السلف ممن تأخر به الزمن عنهم، والانتساب إليهم صحيح مقبول، كما قال ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ): "لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق؛ فإن مذهب السلف لا يكون إِلا حقًّا" (١)، وحقيقة الانتساب إلى السلف: التزام منهجهم في تلقي النصوص، وفهمها، والاستدلال بها (٢).

وفي حجية هذا المستند يتقرر أنه إذا أجمع السلف على قول فهو الحق، واتباعهم فيه واجب تحرم مخالفته، كما سبق بيان ذلك في مستند الإجماع.

أما ما دون ذلك من أقوال السلف؛ مما قاله بعضهم وانتشر عنه أو لم ينتشر، فالصحيح أنه حجة في دين اللَّه بشرطين:

الأول: ألا يخالف نصًّا ثابتًا من كتاب أو سُنَّة.

الثاني: ألا يخالفه أحد من الصحابة، فإن خالفه صحابي فالأولى منهما ما شهد له دليل الوحي.

وما كان كذلك فيصح الاحتجاج به، وتحرم مخالفته، ولا يجوز الإحداث بعده (٣).

وقد تظاهرت الأدلة النقلية والعقلية على تقرير ذلك، ومنها:

أولًا: قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: ١٠٠]، فالآية صريحة في الثناء على من اتبع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار؛ وهم أئمة السلف وقادتهم -رضي اللَّه عنهم-، والاتباع يتضمن صحة ما هم عليه من الدين؛ ومن ذلك سلامة فهمهم لكتاب اللَّه تعالى، والثناء على


(١) ينظر: مجموع الفتاوى ٤/ ١٤٩.
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى ٢٤/ ١٧٢، والاعتصام ص ٤٣٩.
(٣) ينظر: مجموع الفتاوى ٢٠/ ١٤، وإجمال الإصابة في أقوال الصحابة ص ٥٦، وإعلام الموقعين ٦/ ٣٦، والموافقات ٤/ ١٢٨، ٤٤٦، وقطف الأزهار ص ٩١.
وقد نبَّه ابن قدامة (ت: ٦٢٠ هـ) إلى أن المراد بالمخالفة هنا: "نفي ما أثبتوه، أو إثبات ما نفوه"؛ وليس زيادة البيان، والتمثيل، وما لا يبطل أقوالهم. ينظر: نزهة الخاطر العاطر ١/ ٣١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>