للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من اتبعهم في ذلك، وقد احتج الإمام مالك (ت: ١٧٩ هـ) بهذه الآية على وجوب اتباع الصحابة -رضي اللَّه عنهم- (١).

ثانيًا: قوله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} [البقرة: ١٣٧]، فعلق اللَّه تعالى الهداية بالإيمان لمثل ما آمن به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه -رضي اللَّه عنهم-، فالإيمان التام إيمانهم، ولا شك أن ذلك نتيجة فهمهم السليم لكتاب اللَّه تعالى، فمن أخذ بما كانوا عليه في ذلك فقد أخذ بالهدى والحق، وسلم من الشقاق.

ثالثًا: أن الصحابة هم أهل اللسان الذي نزل به القرآن، فاعتبار أقوالهم من هذا الوجه مكمل للوجه الشرعي الموجب لذلك، قال الشاطبي (ت: ٧٩٠ هـ): "وأما بيان الصحابة فإن أجمعوا على ما بيَّنوه فلا إشكال في صحته. .، وإن لم يجمعوا عليه فهل يكون بيانهم حجةً، أم لا؟ هذا فيه نظر وتفصيل، ولكنهم يترجح الاعتماد عليهم في البيان من وجهين: أحدهما: معرفتهم باللسان العربي؛ فإنهم عرب فصحاء، لم تتغير ألسنتهم، ولم تنزل عن رتبتها العليا فصاحتهم، فهم أعرف في فهم الكتاب والسُّنَّة من غيرهم، فإذا جاء عنهم قول أو عمل واقع موقع البيان صح اعتماده من هذه الجهة" (٢)، وقال: "ما نقل من فهم السلف الصالح للقرآن فإنه كله جار على ما تقضي به العربية" (٣).

رابعًا: أن الصحابة أعرف الناس بأسباب النزول وملابساته، وحال من نزل عليهم القرآن، وذلك من أعظم ما يستعان به على فهم مراد اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا مما اختصوا به عن غيرهم، ولم يشركهم فيه أحد ممن بعدهم، قال الشاطبي (ت: ٧٩٠ هـ) مبينًا الوجه الثاني من وجوه ترجيح الاعتماد على بيان الصحابة -رضي اللَّه عنهم-: "الثاني: مباشرتهم للوقائع والنوازل، وتنزيل الوحي بالكتاب والسُّنَّة؛ فهم أقعد في فهم القرائن الحالية، وأعرف بأسباب التنزيل، ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب ذلك، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب. فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات، أو


(١) ينظر: إعلام الموقعين ٥/ ٥٥٦. وقد اعتنى ابن القيم (ت: ٧٥١ هـ) ببيان وجوب اعتماد الأقوال السلفية في كتابه هذا، ففصل دلالة هذه الآية في (١٠) صفحات ٥/ ٥٥٦ - ٥٦٦، وذكر بعدها (٤٦) وجهًا مستدلًّا بها على هذا المعنى ٥/ ٥٥٦، وكذلك فعل الشاطبي (ت: ٧٩٠ هـ) في الموافقات ٤/ ٤٤٦، وينظر: فهم السلف الصالح للنصوص الشرعية، ومنهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السُّنَّة ٢/ ٥٠١.
(٢) الموافقات ٤/ ١٢٧.
(٣) الموافقات ٤/ ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>