للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تخصيص بعض العمومات؛ فالعمل عليه صواب، وهذا إن لم ينقل عن أحد منهم خلاف في المسألة، فإن خالف بعضهم فالمسألة اجتهادية" (١).

خامسًا: أن القول بخلاف ذلك يلزم منه القول بباطل كثير؛ من مثل عدم تمام بيان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- للقرآن، أو جهل الصحابة بشيء من معاني كتاب اللَّه الذي أنزله اللَّه بلسانهم، وبيَّنه لهم نبيّهم، أو كتمهم لشيء من تلك المعاني عمن بعدهم، وما يتبع ذلك من تصحيح استدلال أهل الأهواء والبدع بجنس ذلك من وجوه الأدلة الباطلة، قال ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ): "ومن زعم أنه لم يبيِّن لهم معاني القرآن، أو أنه بيَّنها وكتموها عن التابعين، فهو بمنزلة من زعم أنه بيَّن لهم النص على علي، وشيئًا آخر من الشرائع والواجبات، وأنهم كتموا ذلك، أو أنه لم يبيّن لهم معنى الصلاة والزكاة والصيام والحج، ونحو ذلك مما يزعم القرامطة أن له باطنًا يخالف الظاهر، كما يقولون: إن الصلاة معرفة أسرارهم، والصيام كتمان أسرارهم، والحج زيارة شيوخهم. .، ونحو ذلك من تفسير القرامطة" (٢).

ومن ثم قرر جمهور العلماء أن الصحابة إذا اختلفوا على قولين أو أكثر فلا يجوز لمن بعدهم إحداث قول ثالث مخالف؛ لأمرين:

أولهما: أن اختلافهم على قولين بمثابة اتفاقهم على قول واحد في أن الحق في أحدهما، ومن ثم ألحقت هذه المسألة في كتب الأصول بباب الإجماع، قال الجويني (٣) (ت: ٤٧٨ هـ): "إذا اختلف أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على قولين واستمروا على الخلاف، فالذي صار إليه معظم المحققين أن اختراع قول ثالث خرق للإجماع" (٤)، وعلل ذلك بقوله: "إن نفس المصير إلى القول الواحد إجماع على نفي ما عداه، وكذلك إذا حصروا المذاهب في قولين فقد نفوا ما عداهما" (٥)، وقال الغزالي (ت: ٥٠٥ هـ): "لأنهم أجمعوا على الحصر، فذهولهم عن الحق على ممر الأيام مع كثرتهم محال" (٦).


(١) الموافقات ٤/ ١٢٨. وينظر: درء تعارض العقل والنقل ١/ ١٨٣، وإعلام الموقعين ٦/ ٢٠.
(٢) بغية المرتاد ص ٣٣١.
(٣) عبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف الجويني، أبو المعالي إمام الحرمين، شيخ الشافعية، صنف: غياث الأمم، ونهاية المطلب، وغيرها، مات سنة (٤٧٨ هـ). ينظر: السير ١٨/ ٤٦٨، وطبقات الشافعية الكبرى ٥/ ١٦٥.
(٤) البرهان في أصول الفقه ١/ ٢٧٣.
(٥) التلخيص في أصول الفقه ٣/ ٩١.
(٦) المنخول من تعليقات الأصول ص ٤١٧. وينظر: الموافقات ٣/ ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>