للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وثانيهما: أن في القول بجواز إحداث قول بعد ما استقر خلاف السلف عليه نسبة الأمة إلى إضاعة شيء من الدين، وعدم اهتدائها إلى الحق في تلك الأزمان، وعلم من بعدهم به، وكل ذلك مما تظاهرت الأدلة ببطلانه كما مر (١).

وهذه بعض نصوص الأئمة في تقرير ذلك: قال أبو حنيفة (ت: ١٥٠ هـ): "إذا جاء عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن الصحابة نختار من أقوالهم -فلا يخرج عن أقوالهم-، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم" (٢)، وقال الأوزاعي (ت: ١٥٧ هـ): "اصبر نفسك على السُّنَّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم" (٣)، وقال مالك بن أنس (ت: ١٧٩ هـ): "وما تأوَّله منها -أي: النصوص الشرعية- السلف الصالح تأولناه، وما عملوا به عملناه، وما تركوه تركناه، ويسعنا أن نمسك عما أمسكوا عنه، ونتبعهم فيما بينوا، ونقتدي بهم فيما استنبطوه ورأوه في الحوادث، ولا نخرج من جماعتهم فيما اختلفوا فيه أوفي تأويله" (٤)، وقال الشافعي (ت: ٢٠٤ هـ): "هم فوقنا في كل عمل واجتهاد وورع وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ومن أدركنا ممن يرضى، أو حكي لنا عنه ببلدنا، صاروا فيما لم يعلموا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيه سُنَّةً إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضهم إن تفرقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله" (٥)، وقال أيضًا: "فلم يكن لي عندي خلافهم، ولا الذهاب إلى القياس والقياس مخرج من جميع أقوالهم" (٦)، وقال أحمد بن حنبل (ت: ٢٤١ هـ): "أرأيت إن أجمعوا هل له أن يخرج من أقاويلهم! هذا قول خبيث، قول أهل البدع، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا" (٧)، وقال أبو حاتم الرازي (ت: ٣٢٧ هـ): "العلم عندنا ما كان عن اللَّه تعالى؛ من كتاب ناطق ناسخ غير منسوخ،


(١) ينظر: أصول السرخسي ١/ ٣١٠، وقواطع الأدلة ٣/ ٢٦٦، والمستصفى ١/ ١٩٢، والمسودة ٢/ ٦٣٤، وإعلام الموقعين ٥/ ٥٥٠، والبحر المحيط في الأصول ٣/ ٥٨٠، وشرح الكوكب المنير ٢/ ٢٦٤. وتقرير أهل العلم في هذه المسألة يشمل التفسير والأحكام؛ إذ لا فرق بينهما. ينظر: مجموع الفتاوى ١٣/ ٥٩.
(٢) إعلام الموقعين ٥/ ٥٥٥.
(٣) شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة ١/ ١٧٤.
(٤) اجتماع الجيوش الإسلامية ص ١٥٥.
(٥) إعلام الموقعين ٢/ ١٥٠. وينظر: المستدرك على مجموع الفتاوى ٢/ ١٢٦.
(٦) الرسالة ص ٥٦٩.
(٧) العدة في أصول الفقه ٤/ ١٠٥٩. وينظر: المسودة ٢/ ٦١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>