فقال موسى لله: يسمع أهل المصر الذين أخرجت هذا الشعب بقوتك من بينهم، ويقول ساكن هذه البلاد الذين قد سمعوا أنّك أنت الله في هذا الشعب، فلو أنّك قتلت هذا الشعب كلهم كرجل واحد لقالت الأمم الذين سمعوا باسمك: إنما قتل هذا الشعب من أجل لا يستطيع أن يدخلهم الأرض التي خلق لهم، فقتلهم في البرية، ولكن لترتفع أياديك، ويعظم جزاؤك يارب، كما كنت تكلمت وقلت لهم، فإنه طويل صبرك، كثيرة نعمك، وأنت تغفر الذنوب فلا توبق، وإنك تحفظ ذنب الآباء على الأبناء وأبناء الأبناء إلى ثلاثة أحقاب وأربعة، فاغفر أيْ ربِّ آثام هذا الشعب بكثرة نعمك، كما غفرت لهم منذ أخرجتهم من أرض مصر إلى الآن. فقال الله -جل ثناؤه- لموسى - صلى الله عليه وسلم -: قد غفرت لهم بكلمتك، ولكن حيٌّ أنا، وقد ملأت الأرض محمَدَتي كلها، لا يرى القومُ الذين قد رأوا محمدتي وآياتي التي فعلت في أرض مصر وفي القِفار، وابتلوني عشر مرات ولم يطيعوني؛ لا يرون الأرض التي حَلفْتُ لآبائهم، ولا يراها من أغضبني، فأما عبدي كالب الذي كان روحه معي واتبع هواي فإني مدخله الأرض التي دخلها، ويراها خلفه. وكان العماليق والكنعانيون جلوسًا في الجبال، ثم غدوا فارتحلوا إلى القفار في طريق بَحرِ سُوفٍ (١)، وكلَّم الله - عز وجل - موسى وهارون، وقال لهما: إلى متى تُوَسْوِس عليَّ هذه الجماعةُ جماعةُ السوء؟! قد سمعت وسوسة بني إسرائيل. وقال: لأفعلنَّ بكم كما قلت لكم، ولتُلْقَيَنَّ جِيَفكم في هذه القفار كحسابكم من بني عشرين سنة فما فوق ذلك، من أجل أنكم وسوستم عليَّ، فلا تدخلوا الأرض التي رفعت يدي إليها، ولا ينزل فيها أحد منكم غير كالب بن يوفنا، ويوشع بن نون، وتكون أثقالكم كما كنتم الغنيمة، وأما بنوكم اليوم الذين لم يعلموا ما بين الخير والشر فإنهم يدخلون الأرض، وإني بهم عارف لهم الأرض التي أرُدُّ لهم، وتسقط جيفكم في هذه القفار، وتتيهون في هذه القفار على حساب الأيام التي حسستم الأرض أربعين يومًا، مكان كل يوم سنة، وتُقتلون بخطاياكم أربعين سنة، وتعلمون أنكم وسوستم قُدّامي، إنِّي أنا الله فاعل بهذه الجماعة، جماعة بني إسرائيل، الذين وُعِدوا قُدّامي بأن يتيهوا في القفار، فيها يموتون. فأما الرهط الذين كان موسى بعثهم ليتحسسوا الأرض، ثم
(١) بحر سُوف: هو خليج القَلْزم، معجم البلدان ٥/ ٢٥. وهو ما يطلق عليه البحر الأحمر كما في الموسوعة العربية العالمية. (البحر الأحمر).