خيبر من أشراف اليهود؛ زَنَيا، وكانا قد أُحْصِنا، فكرهت اليهود رجمهما من أجل شرفهما وموضعهما، فقالت يهود خيبر: نبعث بهذين إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنّ في دينه الضرب، وليس في دينه الرَّجْم، ونوليه الحُكْم فيهما، فإن أمركم فيهما بالضرب فخذوه، وإن أمركم فيهما بالرجم فاحذروه. فكتب يهود خيبر إلى يهود المدينة؛ إلى كعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، ومالك بن الضيف، وأبي لبابة، وبعثوا نفرًا منهم، فقالوا: سلوا لنا محمدًا - عليه السلام - عن الزّانِيَيْن إذا أُحْصِنا ما عليهما؟ فإن أمركم بالجلد فخذوا به، والجلد: الضَّرب بحبل من لِيف مَطْلِيٍّ بالقار، وتُسَوَّد وجوههما، ويحملان على حمار، وتُجعل وجوههما مما يلي ذَنَب الحمار، فذلك التَّجْبِيهُ، {يَقُولُونَ} أي: اليهود: {إنْ أُوتِيتُمْ هَذا فَخُذُوهُ وإنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فاحْذَرُوا} أي: إن أمركم بالرجم فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه. قال: فجاء كعب بن الأشرف، ومالك بن الضيف، وكعب بن أسيد، وأبو لبابة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: أخبرنا عن الزانيين إذا أحصنا ما عليهما؟ فأتاه جبريل - عليه السلام -، فأخبره بالرجم، ثم قال جبريل - عليه السلام -: اجعل بينك وبينهم ابن صوريا، وسَلْهم عنه. فمشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى أحبارَهم في بيت المِدْراس، فقال:«يا معشر اليهود، أخْرِجوا إلَيَّ علماءَكم». فأخرجوا إليه عبد الله بن صُوريا، وأبا ياسر بن أخطب، ووهب بن يهوذا، فقالوا: هؤلاء علماؤنا. ثم حصر أمرهم (١) إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا: هذا أعلم مَن بَقِي بالتوراة. فجاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان ابْن صوريا غلامًا شابًّا، ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن سلام، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو إله بني إسرائيل، الذي أخرجكم من مصر، وفلق لكم البحر، وأنجاكم، وأغرق آل فرعون، وأنزل عليكم كتابه يبين لَكُمْ حلاله وحرامه، وظلَّل عليكم المنَّ والسلوى، هل وجدتم في كتابكم أنّ الرجم على مَن أُحْصِن؟». قال ابن صوريا: اللَّهُمَّ نعم، ولولا أنِّي خفت أن أحترق بالنار أو أهلك بالعذاب لكتمتك حين سألتني، ولَم أعترف لك. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الله أكبر، فأنا أول مَن أحيا سُنَّةً مُن سنن الله - عز وجل -». ثم أمر بهما فرُجما عند باب مسجده في بني غنم بن مالك بن النجار، فقال عبد الله بن صوريا: واللهِ، يا
(١) كذا أثبته محقق المصدر، وذكر أن في بعض نسخه: «ثم حصَّل أمرهم»، وهو أشبه، ويعضده رواية أبي هريرة المتقدمة.