محمد، إنّ اليهود لتعلم أنّك نبي حقٍّ، ولكنهم يحسدونك. ثم كفر ابن صوريا بعد ذلك؛ فأنزل الله - عز وجل -: {يا أهْلَ الكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رسولنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الكِتابِ}[المائدة: ١٥] يعني: مما في التوراة من أمر الرجم، ونعت محمد - صلى الله عليه وسلم -. ثم قال:{ويَعْفُوا عَن كَثِيرٍ} فلا يخبر به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهود:«إن شئتم أخبرتكم بالكثير». قال ابن صوريا: أنشدك بالله أن تخبرنا بالكثير مما أُمِرْت أن تعفو عنه. ثم قال ابن صوريا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أخبرني عن ثلاث خصال لا يعلمهن إلا نبي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هات، سَلْ عما شئت». قال: أخبرني عن نومك. قال:«تنام عيني وقلبي يقظان». قال ابن صوريا: صدقت. قال: فأخبرني عن شبه الولد؛ مِن أين يشبه الأب أو الأم؟ قال:«أيهما سبقت الشهوة له كان الشبه له». قال: صدقت. قال: فأخبرني ما للرجل وما للمرأة من الولد؟ ومِن أيِّهما يكون؟ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اللحم والدم والظفر والشعر للمرأة، والعظم والعصب والعروق للرجل». قال: صدقت. قال: فمَن وزيرك من الملائكة، ومن يجيئك بالوحي؟ قال:«جبريل - عليه السلام -». قال: صدقتَ، يا محمد. وأَسْلَم عند ذلك، ... ولَمّا أرادوا القيام قالت بنو قريظة؛ أبو لبابة، وشعبة بن عمرو، ورافع بن حريملة، وشاس بن عمرو للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إخواننا بني النضير، كعب بن الأشرف، وكعب بن أسيد، ومالك بن الضيف، وغيرهم، أبونا واحد، وديننا واحد، إذا قتل أهلُ النضير مِنّا قتيلًا أعطونا سبعين وسقًا من تمر، وإن قتلنا منهم قتيلًا أخذوا مِنّا مائة وأربعين وسقًا من تمر، وجراحاتنا على أنصاف جراحاتهم، فاقضِ بيننا وبينهم، يا محمد. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنّ دم القُرَظِيِّ وفاءٌ مِن دم النَّضِيري، وليس للنَّضيري على القُرَظِيِّ فضل في الدم ولا في العقل». قال كعب بن الأشرف، ومالك بن الضيف، وكعب بن أسيد، وأصحابهم: لا نرضى بقضائك، ولا نطيع أمرك، ولَنَأْخُذَنَّ بالأمر الأول؛ فإنّك عدوُّنا، وما تَأْلُو أن تَضَعَنا وتَضُرَّنا. وفي ذلك يقول الله تعالى:{أفَحُكْمَ الجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} يعني: حكمهم الأول، {ومَن أحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا} يقول: فلا أحد أحسن من الله حكمًا {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} وعد الله - عز وجل -، ووعيده (١). (ز)