إن جاءوك فاحكم بينهم بما أنزل الله، أو أعرض عنهم. فجعل الله له في ذلك رخصة؛ إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم (١). (ز)
٢٢٥٦٢ - قال قتادة بن دعامة -من طريق همام- {فَإنْ جاءُوكَ فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أوْ أعْرِضْ عَنْهُمْ}، يعني: اليهود. فأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يحكم بينهم، ورخَّص له أن يعرض عنهم إن شاء، ثم أنزل الله تعالى الآية التي بعدها:{وأَنْزَلْنا إلَيْكَ الكِتابَ} إلى قوله: {وأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أنْزَلَ اللَّهُ ولا تَتَّبِعْ أهْواءَهُمْ}. فأمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يحكم بينهم بما أنزل الله بعد ما رخَّص له إن شاء أن يعرض عنهم (٢). (ز)
٢٢٥٦٣ - عن محمد ابن شهاب الزهري -من طريق مَعْمَر- في الآية، قال: مضَتِ السُّنَّةُ أن يُرَدُّوا في حقوقِهم ومواريثِهم إلى أهل دينهم، إلا أن يأتوا راغبين في حدٍّ يُحكَمُ بينَهم فيه، فيُحْكَمُ بينَهم بكتاب الله، وقد قال الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط}(٣)[٢٠٩٠]. (٥/ ٣١٧)
[٢٠٩٠] علّق ابنُ عطية (٣/ ١٧٢ - ١٧٣ بتصرف) على الآية بقوله: «قال كثير من العلماء: هي محكمة، وتخيير الحُكّام باقٍ. وهذا هو الأظهر إن شاء الله. وفِقْهُ هذه الآية: أنّ الأمة -فيما علمتُ- مجمعةٌ على أن حاكم المسلمين يحكم بين أهل الذمة في التظالم، ويتسلط عليهم في تغييره، وينقِّر عن صورته كيف وقع فيغير ذلك، ومن التظالم: حبس السلع المبيعة، وغصب المال، وغير ذلك. فأما نوازل الأحكام التي لا ظلم فيها من أحدهم للآخر، وإنما هي دعاوى محتملة، وطلب ما يحِلُّ ولا يحل، وطلب المخرج من الإثم في الآخرة، فهذه هي التي الحاكم فيها مخيَّر، وإذا رضي به الخصمان فلا بُدَّ مع ذلك من رضى الأساقفة أو الأحبار. قاله ابن القاسم في العتبية، قال: وأما إن رضي الأساقفة دون الخصمين، أو الخصمان دون الأساقفة فليس له أن يحكم. قال القاضي أبو محمد: وانظر إن رضي الأساقفة لأشكال النازلة عندهم دون أن يرضى الخصمان فإنها تحتمل الخلاف، وانظر إذا رضي الخصمان ولم يقع من الأحبار نكيرٌ فحكم الحاكم ثم أراد الأحبار ردَّ ذلك الحكم، وهل تستوي النوازل في هذا، كالرجم في زانيين، والقضاء في مال يصير من أحدهما إلى الآخر، وانظر إذا رضي الخصمان هل على الحاكم أن يستعلم ما عند الأحبار، أو يقنع بأن لم تقع منهم معارضة؟ ومالك? يستحب لحاكم المسلمين الإعراضَ عنهم وتركَهم إلى دينهم. وقال ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما: قوله تعالى: {فإن جاؤوك} يعني: أهل نازلة الزانيين. قال القاضي أبو محمد: ثم الآية بعد تتناول سائر النوازل».