للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من أمور الدين إلا على وجه التّليين" (١).

• المتمادي في غلطه الذي نَبَّهَهُ النُّقَّاد على خطئه فلم يرجع؛ فقد "قِيلَ لشُعبة: من الذي يترك الرواية عنه؟ قال: إذا أكثر عن المعروفين ما لم يعرف من المعروفين من الرواية، أو أكثر الغلط، أو تمادى في غلط مجتمع عليه؛ فلم يتهم نفسه عند اجتماعهم على خلافه، أو يتهم بكذب. أما سوى من وصفت فأروي عنهم" (٢)، وقال حمزة بن يوسف السهمي في سؤالاته للدارقطني: "وسألته عمّن يكون كثير الخطأ؟ قال: إن نبّهوه عليه ورجع عنه فلا يسقط، وإن لم يرجع سقط" (٣).

ولما نظر النُّقّاد إلى جانب الضبط قسّموا الرواة إلى أصناف بحسب تفاوتهم في الضبط؛ قال عبد الرحمن بن مهدي: "المحدثون ثلاثة: رجل حافظ متقن؛ فهذا لا يختلف فيه، وآخر يوهم والغالب على حديثه الصحة؛ فهذا لا يترك حديثه، والآخر يوهم والغالب على حديثه الوهم؛ فهذا متروك الحديث" (٤)، والنقاد وإن اعتمدوا ذلك التصنيف في جملته إلا أنهم لم يجعلوه تصنيفًا مطردًا للرواة في كل رواية وفي كل حال؛ بل عرفوا أن هذا الإجمال يكتنز بداخله كثيرًا من التفاصيل الدقيقة والأحوال الجزئية والقرائن الخفية التي تفتقر إليها عملية قبول الحديث أو رده، وذلك ما عبَّر عنه ابن رجب بعبارته الرائقة التي أصابت المحز: "ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه" (٥)؛ ولذا ردَّ أهل العلم ونقاد الحديث بعض أحاديث الثقات وحكموا ببطلانها، لأنهم تيقنوا من وقوع الخطأ فيها من قبل الثقات: فمن ذلك ما رواه الخطيب بسنده عن محمد بن علي بن حمزة المروزي؛ أنه سأل ابن معين عن حديث رواه نعيم بن حماد، فقال ابن معين: "ليس له أصل. قلتُ: فنعيم بن حماد؟ قال: نعيم ثقة! قلتُ: كيف يحذث ثقةٌ بباطل؟ ! قال: شُبّه له" (٦)؛ فتوثيق ابن معين لنعيم بن حماد لم يمنعه من تضعيف الخبر، وهو كاف وصريح فيما نحن بصدده والأمثلة على ذلك كثيرة (٧).


(١) دلائل النبوة للبيهقي ١/ ٣٤.
(٢) الضعفاء للعقيلي ١/ ١٣.
(٣) سؤالات حمزة للدارقطني ص ٧٢.
(٤) المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي ص ٤٠٦.
(٥) شرح علل الترمدي ٢/ ٥٨٢.
(٦) تاريخ بغداد (١٣/ ٣٠٩).
(٧) ينظر: الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات ص ٨٢ - ١٠٢، فقد حشد كثيرًا من الأمثلة على ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>