للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكما ردَّ النقاد بعض أحاديث الثقات قبلوا بعض أحاديث الضعفاء لاعتبارات وقرائن قامت عندهم على صحتها؛ ولذا كان من أجوبة ابن حجر على من انتقدوا على البخاري روايته لبعض الضعفاء قوله: وقد تقرر أن البخاري حيث يخرج لبعض مَنْ فيه مقال لا يخرج شيئًا مما أنكر عليه" (١).

وقال ابن رشيد السَّبتي مخاطبًا الإمام مسلمًا: ". . . وكذلك أيضًا حَكَمَ أهل الصناعة فيما أخرجتما من أحاديث الثقات الذين قد اختلطوا؛ فحملوا ذلك على أنه مما رُوي عنهم قبل الاختلاط، أو مما سَلِموا فيه عند التحديث" (٢).

ونقل ابن القيم اعتراضا على مسلم كذلك في إخراجه لبعض الضعفاء في صحيحه، ثم أجاب بقوله: "ولا عيب على مسلم في إخراج حديثه؛ لأنه ينتقي من أحاديث هذا الضرب ما يعلم أنه حفظه، كما يطرح من أحاديث الثقة ما يعلم أنه غلط فيه" (٣)؛ وإذًا "فليس الخوف الذي يعتري الناقد من ذات الراوي، بل هو فيما يمكن أن يكون الراوي فعله في الرواية فأفسدها، فإن غاية ما يمكن أن يصنعه الراوي المتروك أو الضعيف جدًّا، بل والكذاب في الرواية، هو أن يقلب إسنادًا أو يركب متنًا، وهذا قد يقع فيه هين الضعف، بل والثقة أحيانًا إذا ما أخطأ، فقد يدخل عليه حديث في حديث، وقد يقلب فيبدل كذابًا كان في الإسناد، فيضع مكانه ثقة، خطأ لا عمدًا، وقد يأتي إلى حديث معروف بإسناد ضعيف، فيبدل إسناده بإسناد آخر صحيح، وقد يُسقط من الإسناد كذابًا أو متروكًا كان فيه، ويُسوِّي الحديث ثقة عن ثقة، وَهْمًا لا عمدًا؛ غاية ما هنالك، أن الثقة قلّما يقع منه ذلك، بخلاف الضعيف والمتروك؛ فإنه كثيرًا ما يقع منه ذلك، ولهذا ضعفوا الضعيف، ولها يضعفوا الثقة، وإن كانوا لم يترددوا في الحكم على هذا القليل الذي أخطأ فيه الثقة بالنكارة والبطلان" (٤).


(١) مقدمة الفتح ١/ ١٨٩.
(٢) السنن الأبين ص ١٥٨.
(٣) زاد المعاد في هدي خير العباد ١/ ٣٥٣.
(٤) الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات ص ١٠٢، ١٠٣، بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>