للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يكون للنظر والاعتبار، بحيث يجري نظر الناقد في مروياتهم تلك وما احتف بها من أمارات وقرائن تقوي قبولها أو رفضها؛ ومن تلك القرائن: تخصص الراوي في فن ما وطول اشتغاله به، أو جودة مروياته عن شيخ ما، أو موافقة مروياته لأصل من الأصول المعتبرة. . . إلخ، وقد صرح ببعض هذه القرائن بعض الأئمة؛ منهم الخطيب البغدادي بقوله: ". . . إلا أن العلماء قد احتجوا في التفسير بقوم لم يحتجوا بهم في مسند الأحاديث المتعلقة بالأحكام؛ وذلك لسوء حفظهم الحديث وشغلهم بالتفسير فهم بمثابة عاصم بن أبي النجود حيث احتج به في القراءات دون الأحاديث المسندات لغلبة علم القرآن عليه فصرف عنايته إليه" (١).

فتصريحه بالاحتجاج بهم مقيد بقرينتين واضحتين في كلامه:

الأولى: أن هؤلاء الرواة من أصحاب الضعف المحتمل وقد مثَّل لهم بعاصم بن أبي النجود.

الثانية: أن لهم اشتغالًا بالتفسير وتخصّصًا فيه؛ دفع عن مروياتهم الخطأ المخوف من قبل سوء حفظهم.

وقد أشار البيهقي إلى قرينة أخرى في تعليله لكلام يحيى القطان عن تساهل المحدِّثين مع بعض رواة التفسير؛ فقال: "وإنما تساهلوا في أخذ التفسير عنهم؛ لأن ما فسروا به ألفاظه تشهد لهم به لغات العرب؛ وإنما عملهم في ذلك الجمع والتقريب فقط" (٢)، فلما وجدت قرينة موافقة مروياتهم لما شهدت به اللغة تساهل النقاد في روايتها.

٤ - التساهل لا يكون مع الرواة المعروفين بالكذب؛ بل هؤلاء يطرح حديثهم على كل حال، ونصوص الأئمة السابقة ظاهرة في ذلك من مثل: "فهذا يترك حديثه ويطرح روايته"، ومثل: "فهذا الضرب لا يكون مستعملًا في شيء من أمور الدين إلا على وجه التّليين" (٣).

٥ - أن التساهل لا يكون فيما ثبت خطؤه ولو كان من رواية أكابر الثقات، وقد سبق تقرير ذلك؛ "والمنكر أبدًا منكر" (٤).


(١) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ٢/ ١٩٤.
(٢) دلائل النبوة للبيهقي ١/ ٣٧.
(٣) دلائل النبوة للبيهقي ١/ ٣٣.
(٤) العلل للمروزي ص ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>