للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويستفاد مما سبق أن التساهل عندهم هو مجرد تجويز الرواية أو الأخذ أو الكتابة أو الحفظ لأنواع من الأخبار معينة محددة عمن لم يبلغ حديثهم درجة الاحتجاج به ولا درجة الترك له، ثم يكون بعد ذلك نظر النقاد في تلك المرويات واعتبارها للتثبت من كون ما فيهم من قدح لم ينسحب على المرويات في تلك الأنواع في ضوء القرائن المحتفة بمروياتهم؛ فإن خلت من الموادح وتثبتوا من صحتها اعتمدوها.

فإن قال قائل: إن مجرد الرواية أو الكتابة أو الحفظ جائز حتى فى أحاديث الكذابين؟ !

فالجواب: أن مجرد الرواية عن الكذّابين ليس جائزًا بإطلاق؛ بل ذلك بقيد معرفة حديثهم وتمييزه حتى لا يختلط بالسقيم، ولهذا جرح النقاد بعض الرواة بأنهم لا تحل الرواية عنهم أو لا يحل كتابة حديثهم، ولهذا قال سفيان الثوري: "إني لأكتب الحديث على ثلاثة وجوه: فمنه ما أتدين به، ومنه ما أعتبر به، ومنه ما أكتبه لأعرفه" (١)؛ فما يتدين به أحاديث من يحتج بهم، وما يعتبر به أحاديث من دونهم ممن لم يبلغوا درجة الترك، وما يكتبه ليعرفه أحاديث المتروكين والكذابين.

وقصة إنكار أحمد بن حنبل على يحيى بن معين كتابة صحيفة معمر عن أبان عن أنس معروفة، وفيها قول أحمد منكِرًا: "تكتب صحيفة معمر عن أبان عن أنس وتعلم أنها موضوعة؟ فلو قال لك قائل: إنك تتكلم في أبان ثم تكتب حديثه على الوجه؟ ! فقال: رحمك اللَّه يا أبا عبد اللَّه؛ أكتب هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلها وأعلم أنها موضوعة حتى لا يجيء بعده إنسان فيجعل بدل أبان ثابتًا ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس بن مالك، فأقول له: "كذبت؛ إنما هي عن معمر عن أبان لا عن ثابت" (٢).

وها هو محمد بن رافع يقول: "رأيت أحمد بن حنبل في مجلس يزيد بن هارون ومعه كتاب زهير عن جابر، وهو يكتبه؛ قلت: يا أبا عبد اللَّه؛ أنت تنهانا عن جابر وتكتبه؟ قال: نعرفه" (٣). وغير ذلك من الأخبار الدالة على هذا المسلك؛ فنخلص


(١) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ٢/ ١٩٣.
(٢) السابق ٢/ ١٩٢.
(٣) السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>