وعلَّق ابنُ عطية (٣/ ٣٠٤) على قول السدي بقوله: «فتجيء {قالَ} على هذا متمكنة في المضي، ويجيء قوله آخرًا: {وإنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} أي: بالتوبة من الكفر؛ لأنّ هذا ما قاله عيسى - عليه السلام - وهم أحياء في الدنيا». ورجَّحه ابنُ جرير (٩/ ١٣٥ - ١٣٧) مستندًا إلى الأغلب في اللغة، والدلالات العقلية، وذلك أن (إذ) إنما تصاحب في الأغلب من كلام العرب الماضي من الفعل، وتوجيه معاني كلام الله تعالى إلى الأشهر أولى، كما أنّ عيسى - عليه السلام - لا يجوز أن يتوهم عليه طلب المغفرة لِمَن مات مشركًا، وفي قول عيسى: {ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ... وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب} بيان أن الله تعالى إنما عرَّفه مقالة قومه بعدما قبضه إليه وتوفاه. وانتقد ابنُ عطية (٣/ ٣٠٤ بتصرف) الاستناد إلى كون عيسى - عليه السلام - يمتنع عليه طلب المغفرة للمشركين ببيان أنّ معنى قوله: {وإنْ تَغْفِرْ لَهُمْ}: إن عذبت العالم كله فبحقك، وإن غفرت وسبق ذلك في علمك فلأنك أهل لذلك لا معقب لحكمك ولا منازع لك. وليس المعنى أنه لا بد من أن تفعل أحد هذين الأمرين، بل قال هذا القول مع علمه بأنّ الله لا يغفر أن يشرك به. وانتقد ابنُ كثير (٥/ ٤٢٥ - ٤٢٦ بتصرف) المستند الأول والثاني لابن جرير فقال: «وهذان الدليلان فيهما نظر؛ لأن كثيرًا من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ليدل على الوقوع والثبوت. ومعنى قوله: {إن تعذبهم فإنهم عبادك} الآية: التبري منهم، ورد المشيئة فيهم إلى الله، وتعليق ذلك على الشرط لا يقتضي وقوعه، كما في نظائر ذلك من الآيات». ورجَّح ابنُ عطية (٣/ ٣٠٥ - ٣٠٦) القول الثاني مستندًا إلى السياق، فقال: «وهذا هو عندي القول الأرجح، ويتقوى بما بعده، وذلك أن عيسى - عليه السلام - لَمّا قرر أن الله تعالى له أن يفعل في عباده ما يشاء من تعذيب ومغفرة أظهر الله لعباده ما كانت الأنبياء تخبرهم به، كأنه يقول: هذا أمر قد فرغ منه، وقد خلص للرحمة من خلص، وللعذاب من خلص. فقال تبارك وتعالى: {هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}. ثم جاءت هذه العبارة مشيرة إلى عيسى في حاله تلك، وصدقه فيما قال، فحصل له بذلك في الموقف شرف عظيم، وإن كان اللفظ يعمه وسواه». وكذا رجَّحه ابنُ كثير (٥/ ٤٢٦) مستندًا إلى السنة، والدلالات العقلية، فقال: «والذي قاله قتادة وغيره هو الأظهر؛ ليدل على تهديد النصارى وتقريعهم وتوبيخهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، وقد روي بذلك حديث مرفوع». ثم أورد حديث أبي موسى الأشعري. وعلَّق ابنُ عطية (٣/ ٣٠٤) على هذا القول بقوله: «و {قال} على هذا التأويل بمعنى: يقول. ونزول الماضي موضع المستقبل دلالة على كون الأمر وثبوته». وأفاد أن توقيف الله لعيسى وسؤاله فائدته على هذا القول: ظهور الذنب على الكفرة في عبادة عيسى وبيان ظلالهم. ثم ذكر (٣/ ٣٠٧) أن قوله تعالى في خاتمة السورة {لله ملك السموات .. } يحتمل أن يكون مما يقال يوم القيامة، ويحتمل أنه مقطوع من ذلك مخاطب به محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته، وأنه على الوجهين فيه تعضيد لهذا القول.