للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد ثبت عن أبي العالية والربيع بن أنس (١) في هذه الآية أنه قال: "هذا مثل ضربه اللَّه للدنيا: أن البعوضة تحيا ما جاعت فإذا سمنت ماتت، وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضرب اللَّه لهم هذا المثل في القرآن، إذا امتلأوا من الدنيا ريًّا أخذهم اللَّه عند ذلك" (٢).

وإذا تأملتَ كلام أبي العالية والربيع وجدت صعوبة كبيرة في كونه مرادًا بالآية ولذا قال ابن عطية: "وقال قوم: هذه الآية مثل للدنيا، وهذا ضعيف يأباه رصف الكلام واتساق المعنى" (٣).

ورغم التوافق الظاهر بين ألفاظ الآية والمعنى الوارد بأسانيد ضعيفة من جهة، والبعد الظاهر بين ألفاظها وبين قول أبي العالية والربيع الوارد بالسند الصحيح من جهة أخرى؛ إِلا أني وجدت بعض الفضلاء ممن نهجوا نهج تجريد التفسمِر من الضعيف لم يذكر إِلا قول أبي العالية والربيع، ولم يشر من قريب أو بعيد للمعنى الآخر؛ رغم وضوحه واتساقه مع الآية وإشارتها إليه، وكونه أصح في معنى الآية ونظمها من قول الربيع.

إضافة إلى أن كثيرًا من الآثار الضعيفة الواردة في التفسير تكون موافقة للمفهوم من ظاهر الكلام؛ فيكون الأثر الضعيف في مثل هذا مؤكدًا للمعنى الذي دلت عليه ألفاظ الآية، ويكون توافقه مع دلالة الآية قرينة على صحة معناه وإن لم يثبت إسناده.

وقد صرح الطوفي بهذا المعنى فقال: "فإن كان ما ورد في التفسير من الأحاديث الضعيفة والتواريخ موافقًا للمفهوم من ظاهر الكلام، أو فحواه، أو معقوله، حمل الكلام على ما فهم منه، وكان الخبر الضعيف ونحوه مؤكدًا لما استفيد من اللفظ" (٤).

الثاني: أنه لو تم التسليم بصحة ذلك التجريد للزم المتصدي له أن يتعرف أولًا غرض العالم الذي يريد تجريد كتابه من إيراده كل أثرٍ، بحيث لا يحذف أثرًا إِلا وقد علم غرض المصنف من إيراده وكيفية إيراده له، ثم ينظر كذلك في عاقبة حذفه للأثر إلى غير ذلك، ولو حاول ذلك وعاناه لأبصر بعينيه حقيقة الجناية التي تقع على المصنفات وأصحابها بدعوى التصحيح.

الثالث: أن فيه مجافاة وغفلة ظاهرة عن طبيعة مرويات التفسير وظروف نشأتها ودرجات الاهتمام بها، الذي كان له انعكاس واضح على كيفية التعامل معها كما


(١) أخرجه ابن أبي حاتم ١/ ٦٨ بإسناد حسن.
(٢) الطبري ١/ ١٧٧، ابن أبي حاتم ١/ ٦٨.
(٣) المحرر الوجيز ١/ ١١٠.
(٤) الإكسير في قواعد التفسير ص ٤١، بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>