للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

به خبيرا} [الفرقان: ٥٩]، {ولا ينبئك مثل خبير} [فاطر: ١٤] (١). (٦/ ١٢٧)

٢٥٤٩٥ - عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} إلى قوله: {في خوضهم يلعبون}: هم اليهود والنصارى، قوم آتاهم الله علمًا، فلم يقتدوا به، ولم يأخذوا به، ولم يعملوا به، فذمَّهم الله في عملهم ذلك. ذُكِر لنا: أنّ أبا الدرداء كان يقول: إنّ مِن أكثرِ ما أنا مخاصم به غدًا أن يُقال: يا أبا الدرداء، قد علمتَ، فماذا عملتَ فيما علمتَ؟ (٢). (ز)

٢٥٤٩٦ - عن إسماعيل السدي -من طريق أسباط- في قوله: {إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء}، قال: قال فِنحاصُ اليهودي: ما أنزَل الله على محمدٍ من شيء (٣). (٦/ ١٢٦)

٢٥٤٩٧ - قال مقاتل بن سليمان: نزلت في مالك بن الصيف اليهودي حين خاصمه عمر بن الخطاب في النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه مكتوب في التوراة، فغضب مالك، فقال: ما أنزل الله على أحد كتابًا. وكان رَبّانيًّا في اليهود، فعزلته اليهود عن الرَّبّانِيَّة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ مَن أنْزَلَ الكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُورًا وهُدًى لِلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وتُخْفُونَ كَثِيرًا وعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أنْتُمْ ولا آباؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} يعني: اليهود، نزلت هذه الآية بالمدينة، ثم إنّ مالك بن الصيف تاب مِن قوله، فلم يقبلوا منه، وجعلوا مكانه رجلًا في الرَّبّانِيَّة (٤) [٢٣٤٠]. (ز)


[٢٣٤٠] أفادت الآثار اختلاف المفسرين في المعنيِّ بقوله تعالى: {إذْ قالُوا ما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِن شَيْءٍ} على أقوال: الأول: كان قائل ذلك رجلًا من اليهود، فمِن قائل: اسمه مالك بن الصيف. وهو قول سعيد بن جبير، وعكرمة. ومِن قائل: اسمه فِنْحاص. وهو قول السدي. الثاني: جماعة من اليهود سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - آيات مثل آيات موسى. وهو قول قتادة، ومحمد القرظي، وابن عباس. الثالث: مشركو قريش، وأنهم قالوا: {ما أنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِن شَيْءٍ}. وهو قول مجاهد.
وقد رجَّح ابنُ جرير (٩/ ٣٩٧ - ٣٩٨) مستندًا إلى السياق، والدلالة العقلية القول الثالث، وذلك أنّ سياق الآيات في الإخبار عن كفار قريش، ولم يَجْرِ لليهود قبل هذا ذكرٌ، إضافةً إلى أن المعروف من دين اليهود الإقرار بصحف إبراهيم وموسى وزبور داود، ولم يُعرَف عنهم إنكار إنزال الكتب من السماء.
ثم وجَّه القول الأول والثاني، فقال: «ولكنِّي أظنُّ أنّ الذين تأوَّلوا ذلك خبرًا عن اليهود؛ وجدوا قوله: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورًا وهدى للناس يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا وعُلِّمْتُم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم}، فوجَّهوا تأويل ذلك إلى أنه لأهل التوراة، فقرءوه على وجه الخطاب لهم: {تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وتُخْفُونَ كَثِيرًا وعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أنْتُمْ ولا آباؤُكُمْ}، فجعلوا ابتداء الآية خبرًا عنهم، إذ كانت خاتمتها خطابًا لهم عندهم».
ووافقه ابنُ كثير (٦/ ١١٠ - ١١١) وزاد مستند أحوال النزول؛ وذلك أنّ الآية مكية، والعرب قاطبة كانوا يُبعِدون إرسال رسولٍ من البشر، واستدل بقوله تعالى: {أكانَ لِلنّاسِ عَجَبًا أنْ أوْحَيْنا إلى رَجُلٍ مِنهُمْ أنْ أنْذِرِ النّاسَ وبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [يونس: ٢]، وبقوله تعالى: {وما مَنَعَ النّاسَ أنْ يُؤْمِنُوا إذْ جاءَهُمُ الهُدى إلا أنْ قالُوا أبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا} [الإسراء: ٩٤].
وعلَّق ابنُ عطية (٣/ ٤١٥) بقوله: «مَن قال: إنّ المراد: كفار العرب. فيجيء الاحتجاج عليهم بقوله: {مَن أنْزَلَ الكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى} احتجاجًا بأمر مشهور منقول بكافة قوم لم تكن العرب مكذبة لهم. ومن قال: إن المراد: بنو إسرائيل. فيجيء الاحتجاج عليهم مستقيمًا؛ لأنهم يلتزمون صحة نزول الكتاب على موسى».
ثم عقَّب ابنُ جرير (٩/ ٣٩٨) على القراءة، فقال: «والأصوب من القراءة في قوله: «يَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ يُبْدُونَها ويُخْفُونَ كَثِيرًا» أن يكون بالياء لا بالتاء، على معنى: أنّ اليهود يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا، ويكون الخطاب بقوله: {قل من أنزل الكتاب} لمشركي قريش. وهذا هو المعنى الذي قصده مجاهد -إن شاء الله- في تأويل ذلك، وكذلك كان يقرأ».

<<  <  ج: ص:  >  >>