للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ينامُها أحدُكم شهيةً لم يُرْوَ منها، يقوم وهو يمسحُ عينيه، فكذلك نومُه فيه إلى يوم القيامة، وإن كان غير ذلك إذا نزَل به ملك الموت صَفَّ له سِماطان من الملائكة نُظِموا ما بينَ الخافقين، فيُخطَفُ بصرُه إليهم ما يَرى غيرهم، وإن كنتم ترَون أنه ينظرُ إليكم، ويُشدَّدُ عليه، وإن كنتم ترَون أنه يهوَّنُ عليه، فيلعنونه، ويقولون: اخرُجي، أيَّتُها النفس الخبيثة، فقد أعدَّ الله لكِ من النكال والنِّقمة والعذاب كذا وكذا، وساء ما قدَّمتِ لنفسِك. ولا يزالون يسُلُّونها في تعَب وغِلَظ، وغضب وشدة، من كلِّ ظُفُرٍ وعُضْو، ويموتُ الأول فالأول، وتنشَطُ نفسُه كما يصنع السَّفُّودُ (١) ذو الشُّعَبِ بالصوف، حتى تقعَ الروحُ في ذَقَنِه، فلَهِي أشدُّ كراهيةً للخروج من الولد حينَ يخرج من الرحم، مع ما يبشِّرونه بأنواع النَّكال والعذاب، حتى تبلُغَ ذَقَنَه، فليس منهم ملكٌ إلا وهو يتحاماه كراهيةً له، فيتولّى قبضَها ملك الموت الذي وُكِّل بها، فيتلقّاها -أحسبُه قال-: بقطعةٍ من بِجاد (٢) أنتنَ ما خلَق الله وأخشنَه، فتُلقى فيها، ويفوحُ لها ريحٌ أنتنُ ما خلَق الله، ويسُدُّ ملك الموت مَنخِريه، ويسُدُّون آنافَهم، ويقولون: اللَّهُمَّ، العَنْها من روح، والعَنْه جسدًا خرَجت منه. فإذا صُعِد بها غلِّقت أبوابُ السماء دونَها، فيرسلُها مَلَك الموت في الهواء، حتى إذا دنَت من الأرض انحدَر مسرعًا في أثرِها، فيقبضُها بحديدة معه، يفعلُ بها ذلك ثلاث مرات». ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} [الحج: ٣١]. والسحيق: البعيد. «ثم يُنتَهى بها، فتُوقَفُ بين يدي الملك الجبار، فيقول: لا مرحبًا بالنفس الخبيثة، ولا بجسدٍ خرَجت منه. ثم يقول: انطلقوا بها إلى جهنم، فأرُوها مقعدَها منها، واعرِضوا عليها ما أعددتُ لها من العذاب والنِّقمة والنَّكال. ثم يقول الرب: اهبِطوا بها إلى الأرض، فإنِّي قضيتُ أنِّي منها خلقتُهم، وفيها أُعيدُهم، ومنها أُخرجُهم تارة أخرى. فيهبِطون بها على قدر فراغِهم منها، فيُدخِلون ذلك الروح بين جسده وأكفانه، فما خلَق الله حميمًا ولا غيرَ حميم من كلمة يَتكلَّمُ بها إلا وهو يسمَعُها، إلا أنّه لا يؤذنُ له في المراجعة، فلو سمِع أحبَّ الناس إليه وأعزَّهم عليه يقول: اخرجوا به، وعجِّلوا. وأُذن له في المراجعة للعَنه، وودَّ أنه تُرِك كما هو لا يُبلَغُ به حفرتَه إلى يوم القيامة، فإذا دخَل قبرَه جاءه ملكان أسودان أزرقان فظّان غليظان،


(١) السَّفُود والسُّفُّود: حديدة ذات شعب معقَّفة، يُشوى به اللحم. لسان العرب (سفد).
(٢) البجاد: الكساء. لسان العرب (بجد).

<<  <  ج: ص:  >  >>